من وزير الداخلية إلى صانع الحلول.. مسيرة قيادية في زمن الاضطراب
في خضم التحديات المتلاطمة التي تمر بها بلادنا الحبيبة ليبيا، ومع تصاعد وتيرة الحراك الشعبي المطالب بإنهاء حالة الانسداد السياسي، يبرز اسم فتحي باشاغا، الشخصية الليبية ذات الثقل السياسي والعسكري.
ينحدر باشاغا من مدينة مصراتة، وقد شغل منصب وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني من أكتوبر 2018 إلى مارس 2021، وشغل في نفس الوقت عضوية المجلس الرئاسي في طرابلس.
هذه الفترة تميزت بقوة شخصيته، وجرأة قراراته وموضوعيتها، وبمشاريع تطويرية أمنية شاملة، حيث عمل على توفير آليات جديدة لكافة أجهزة الأمن والشرطة، بما فيها الزراعية والسياحية والمرورية، وأعاد هيكلة العديد من الأجهزة الأمنية، فشهدت تلك الفترة طفرة حقيقية في مجال تطوير آليات العمل الأمني.
ثم كلفه البرلمان الليبي في فبراير 2022 بتشكيل حكومة جديدة بدلاً من حكومة الوحدة الوطنية، وقد أطلق على هذه الحكومة اسم “حكومة الاستقرار“.
وقد حصلت حكومته على الثقة بالإجماع في 1 مارس 2022.
ولعل ما يُحسب لفتحي باشاغا في تلك الفترة هو موقفه الحكيم عند دخوله طرابلس وتعرضه لمواجهات عسكرية بسبب عدم امتثال حكومة الوحدة الوطنية لتسليم السلطة بسلاسة لحكومة الاستقرار المعيّنة من البرلمان.
فقد آثر الانسحاب وحقن الدماء بكل هدوء، مما عكس إحساساً عالياً بالمسؤولية الوطنية، ثم تم سحب الثقة منه في 16 مايو 2023.
وقبل أيام قليلة من بيانه الأخير، وتحديداً في يوم الخميس 22 مايو 2025، أطلق باشاغا بياناً عبر صفحته الرسمية على فيسبوك تحت عنوان: “صوت العقل يدعم الشارع الغاضب ويُحيي المسار الأممي.. هل يمد يد العون لعودة قيادية ويفتح آفاق الحل في ليبيا المضطربة؟”.
في هذا البيان، تزامناً مع دعوات المظاهرات الحاشدة من قوى مؤثرة مثل المجلس الاجتماعي سوق الجمعة وشباب الزاوية والمنطقة الغربية، جسّد باشاغا نهجاً قيادياً يوازن بين دعم الحقوق الدستورية للشعب والتزام المسارات السلمية.
دعمه للتظاهر السلمي مع التأكيد على الانضباط وحماية المتظاهرين من قبل أجهزة الأمن، وترحيبه بتقرير اللجنة الاستشارية الأممية، أظهر رؤيته البراغماتية ومسعاه نحو حلول توافقية تستشعر معاناة المواطنين.
هذا السياق قادنا إلى البيان المتلفز الهام الذي أصدره فتحي باشاغا يوم الأحد 25 مايو 2025 (27 ذو القعدة 1446 هـجري)، في ظل تصاعد وتيرة الاحتجاجات وإغلاق الطرق في طرابلس والزاوية وصرمان.
هذا البيان ليس مجرد كلمات، بل هو دعوة وطنية عاجلة، ومحاولة أخيرة لتقديم رؤية للخروج من مأزق سياسي واقتصادي وأمني يهدد وجود الدولة الليبية.
تحليل شامل للبيان المتلفز لفتحي باشاغا: رسالة من قلب الأزمة
صدر بيان فتحي باشاغا المتلفز يوم الأحد 25 مايو 2025 عبر صفحته على فيسبوك، وجاء في سياق تصاعد الحراك الشعبي وإغلاق الطرق في مدن رئيسية.
يتسم البيان بلغة واضحة ومباشرة، ويعكس قلقاً عميقاً على مصير الوطن، مع تقديم رؤية للخروج من الأزمة.
لنحلل أبرز فقراته:
نص البيان:
“بسم الله الرحمن الرحيم: أهلي الكرام في ربوع ليبيا العزيزة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أتحدث إليكم اليوم، انطلاقاً من إيمان راسخ بأن خدمة ليبيا واجب وطني، وعهد لا ينكث في الرخاء كما في الشدة، وفاء لا تحكمه الظروف ولا تقيده مناصب، بل يستمد ثباته من مبدأ لا يتغير بتغير المواقع.
أخاطبكم من عمق معاناة نعيشها جميعاً من قلب واقع يزداد قسوة وصعوبة، واقع لم يعد يحتمل التعتيم أو الإهمال، فكل المؤشرات تنذر بالخطر.
الوطن مهدد بالانقسام والدولة تواجه خطر الزوال.
الحقوق تنتهك، والحريات تكبل، والسلاح الذي يفترض أنه رمز للوطن، صار أداة لقمع المواطن وابتزاز الدولة.
والاقتصاد يتهاوى، والاحتياطي يتأكل والثروات تستنزف بلا حسيب ولا رقيب، المواطن يكافح لتأمين لقمة عيشه.
وسط اتساع رقعة الفقر وانهيار الطموحات، لا جدوى من تبادل الاتهامات أو خطابات الانفعال والتخوين فذلك لا يغير واقعاً ولا يصنع حلاً، فالمحاسبة حق لا يسقط بالتقادم.. لكن إنقاذ الوطن أولوية لا تحتمل التأجيل.
أيها الشعب الليبي الكريم رجالاً ونساءً، لا نزعم أن كل ما قمنا به كان الصواب المطلق، ولا أن معالم الطريق كانت واضحة للجميع، لكننا لم نخن ولم نتواطأ ولم نتهرب من واجبنا الوطني.
بل اجتهدنا ضمن حدود الممكن وبشجاعة لا تعرف التردد، وسط ظروف داخلية هشة، وتوازنات دولية معقدة، وكانت غايتنا وستظل ليبيا ومصلحة شعبها فوق كل اعتبار.
لا ندعي الكمال ولا نحتكر الحقيقة، فالتاريخ ومن سيحكم على مواقفنا بميزان العدالة، بما لها وما عليها، أما اليوم فواجبنا أن نتحمل مسؤولية الحاضر ونبادر إلى نجدة ليبيا، بما نملك وما نستطيع، فالمهدد ليس هذا الوضع السياسي الهش والمختل ولا مال الدولة المستباح، بل مستقبل أولادنا ووحدة وطننا، وكذلك كرامتنا كليبيين.
ليبيا لا تبنى بأنصاف الحلول، شرقها وغربها وجنوبها وحدة واحدة، فزان قلب ليبيا الاستراتيجي وعمقها التاريخي ينبغي ألا تكون رقعة منسية أو ساحة مهمشة، فلا نهوض لليبيا دون إنصاف الجنوب.
أما الشرق والغرب فهما جناحا الوطن، وتوازن الأجنحة هو أساس بقاء الدولة، والعدالة بين الأقاليم هو شرط الوحدة.
فأما أن نتصالح ونبني ليبيا، أو نتخاصم ونتقاتل فنضيع ليبيا وأهلها، وإننا مدعوون اليوم أكثر من أي وقت مضى، لإحياء الحوار وتفعيل قنوات التواصل مع جميع الأطراف، شرقاً وغرباً وجنوباً، داخل المؤسسات وخارجها، للبحث عن مخرج ليعيد الأمل لليبيين ويعلي مصلحة ليبيا فوق كل الحسابات فمن يضع مصلحة ليبيا أولاً لبدأ أن يسموا فوق الخلافات، ويتحرر من ضيق المصالح، ليكون شريكاً في الحل، لا عائقاً في طريقه.
وفي هذا السياق أتوجه بنداء صادق ومفتوح إلى كل القوى السياسية والكفاءات الوطنية وأصحاب المعرفة والخبرة رجالاً ونساءً، اتحدوا تلاقوا بادروا لصياغة مشروع وطني جامع يترجم مطالب المتظاهرين التي صدحت بها الميادين والشوارع على اختلافها ويُعلي من شأن المواطن ويعيد للوطن وحدته وللدولة هيبتها ومكانتها ويوفر حياة كريمة لكل الليبيين دون تمييز وإنطلاقاً من أن استقرار ليبيا وأمنها ليس شأنناً داخلياً فقط، بل ضرورة إقليمية ودولية.
فإننا نثمن أي جهود دولية تتعامل مع الملف الليبي بروح من التعاون والتوازن والاحترام المتبادل، وتسعى لمساندة الشعب الليبي لتحقيق السلام، والاستقرار، وبناء الدولة العادلة القوية القادرة.
إلى أهلي وناسي في مدينة مصراتة حديثي إليكم اليوم ليس بدوافع التعصب أو التمييز، إنما إدراكاً لدور مصراتة الوطني في محطات ليبيا المفصلية فقد كانت حاضرة في التضحيات حين وجب الدفاع، ومدت يدها للسلام عندما استدعت المرحلة العقل والحكمة.
وفي كل المراحل ظلت مصراتة وما تزال جزءاً من قلب الوطن، موصولة بالدم والمصاهرة، بالتجارة ووحدة المصير، متفاعلة بجلاء مع قضاياه ومساندة لوحدته واستقراره، من هذا الإرث الزاخر بالعطاء والموقف الوطنية.
فإن المسؤولية التاريخية تستوجب من المجلس البلدي مصراتة وكافة القيادات السياسية والاجتماعية والعسكرية والأمنية شيبها وشبابها دون استثناء أو إقصاء للعمل على بلورة موقف جامع يعيد ترتيب الصف الداخلي ويوحد الكلمة خلف مشروع الدولة الواحدة، الدولة العادلة التي يحلم بها كل ليبي، وهو قدم من أجل أبناء هذه المدينة أغلى التضحيات.
أدعو الجميع إلى تجاوز التباينات السياسية والالتفاف حول الثوابت الوطنية الجامعة، التي ضحى من أجلها الأجداد والآباء والأبناء، فلا تُخذل تلك الأرواح النبيلة بتشتت المواقف، وتضارب الأولويات، وما تنتظره ليبيا من مصراتة ليس بغريب عنها، فقد كانت دوماً في الموعد تلبي نداء الوطن وتجتمع على المصلحة الوطنية، وتمضي بثبات نحو بناء الدولة الجامعة.
إلى كل من يؤمن بليبيا الوطن والمصير، المعركة الحقيقة اليوم ليست صراع بين شرق وغرب ولا خصومة بين مدن وأحزاب سياسية.
بل بين مشروع الدولة ومشروع الفوضى بين من يسعى للإصلاح والبناء ومن يقتات على استمرار هذا التدهور وزرع الفتن.
بين من ينشد دولة القانون والمؤسسات ومن ينساق وراء منطق الغنيمة والصفقات، فليكن اختيارنا معسكر الوطن. وننتصر لقيم الوحدة والعدالة، ونجدد عهد الأجداد الذين في أحنك اللحظات، لم يتقاعسوا، بل اجتمعوا على كلمة سواء وأسسوا دولة من تحت الرماد.
اللهم احفظ ليبيا، ووفقنا لما فيه خيرها ورفعة أهلها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فتحي باشاغا
الأحد 25 مايو 2025 م.”
تلخيص وتحليل أهداف ورؤية البيان:
بيان باشاغا هو نداء وطني شامل من قيادي مدرك لخطورة الموقف. يمكن تلخيص رسالته في النقاط التالية:
تشخيص الأزمة: يحدد بوضوح ملامح الأزمة الليبية: تهديد بانقسام الوطن، خطر زوال الدولة، انتهاك الحقوق والحريات، استخدام السلاح للقمع، انهيار الاقتصاد، استنزاف الثروات، واتساع رقعة الفقر.
نقد الذات والمسؤولية: يُقر بأنه ليس معصوماً من الخطأ، لكنه ينفي الخيانة أو التواطؤ، ويؤكد أن غايته كانت وستظل مصلحة ليبيا وشعبها. هذه لفتة ذكية لكسب الثقة وفتح باب الحوار.
الدعوة إلى الوحدة والعدالة الجغرافية: يؤكد على وحدة ليبيا (شرقاً، غرباً، جنوباً)، ويشدد على ضرورة إنصاف فزان كقلب استراتيجي، وضرورة العدالة بين الأقاليم لضمان بقاء الدولة.
نبذ الخلافات والبحث عن حل جامع: يدعو إلى تجاوز الاتهامات والخلافات الضيقة، وتفعيل الحوار مع جميع الأطراف (داخل وخارج المؤسسات) لصياغة “مشروع وطني جامع” يُترجم مطالب المتظاهرين ويعيد هيبة الدولة ويوفر حياة كريمة.
تحديد معركة ليبيا الحقيقية: يؤطر الصراع ليس كصراع بين شرق وغرب أو مدن وأحزاب، بل بين “مشروع الدولة ومشروع الفوضى”، وبين الإصلاح والبناء ومَن يقتات على التدهور.
رسالة لمصراتة: يُوجه نداءً خاصاً لأهل مصراتة، مذكّراً بدورهم التاريخي في الدفاع عن الوطن وتحقيق السلام، ويدعو قيادات المدينة لبلورة موقف جامع يدعم “مشروع الدولة الواحدة العادلة”.
تقدير الجهود الدولية المتوازنة: يثمن أي جهود دولية تتعامل “بروح من التعاون والتوازن والاحترام المتبادل” وتدعم الشعب الليبي، مما يُشير إلى انفتاح على المساعدة الخارجية المشروطة.
الأبعاد والتحليل الشامل:
البُعد السياسي والوطني:
.رسالة تحذيرية وندائية:
البيان هو بمثابة جرس إنذار حاد لليبيين كافة حول المخاطر الوجودية التي تُهدد الدولة، مع نداء لتوحيد الصفوف وتغليب المصلحة الوطنية.
.إعادة تعريف الصراع:
باشاغا يحاول نقل النقاش من صراعات مناطقية أو حزبية إلى صراع مبدئي بين “الدولة” و”الفوضى”، وهذا يهدف إلى إيجاد أرضية توافق أوسع.
.تأكيد القيادة والمسؤولية:
رغم سحب الثقة منه، يظل باشاغا يرى لنفسه دوراً قيادياً في إنقاذ البلاد، ويُظهر استعداده لتحمل المسؤولية بعيداً عن المناصب الرسمية، مما يُعزز من صورته كـ”رجل دولة”.
.محاولة رأب الصدع:
التأكيد على وحدة الأقاليم الثلاثة (شرق، غرب، جنوب) ومحاولة إنصاف الجنوب يهدف إلى بناء جبهة وطنية أوسع تتجاوز الانقسامات الجغرافية والسياسية الحالية.
البُعد الاقتصادي والإنساني:
.واقعية المعاناة:
يصف البيان بدقة المعاناة الاقتصادية للمواطن (تهاوي الاقتصاد، تأكل الاحتياطي، استنزاف الثروات، الفقر)، مما يجعله قريباً من الشارع ويعكس إدراكاً عميقاً للأزمة المعيشية.
.ربط الاقتصاد بالفساد:
اتهام “المقتاتين على استمرار هذا التدهور” يشير بوضوح إلى الفساد وسوء الإدارة كأحد أهم أسباب الأزمة الاقتصادية والإنسانية.-
.تأكيد كرامة المواطن:
حديثه عن كرامة الليبيين وضرورة توفير حياة كريمة يُبرز الجانب الإنساني في رؤيته للحل.
البُعد الجيوسياسي:
.رسالة للمجتمع الدولي: تثمينه لأي جهود دولية تتسم بالتعاون والتوازن والاحترام المتبادل هو دعوة غير مباشرة للمجتمع الدولي لتغيير نهجه السابق، الذي أشار إليه باشاغا سابقاً والمظاهرات الشعبية على أنه غير فعال ومُنحاز.
هذا يُظهر فهمه لأهمية الدعم الدولي، لكن بشروط السيادة الليبية.
.ليبيا ليست شأناً داخلياً فقط: إدراكه بأن استقرار ليبيا ضرورة إقليمية ودولية يعكس رؤية استراتيجية أوسع للموقع الجيوسياسي لليبيا وتأثير استقرارها على المنطقة والعالم.
البُعد الاجتماعي:
.خطاب جامع: يحرص البيان على مخاطبة “الشعب الليبي الكريم رجالاً ونساءً”، و”القوى السياسية والكفاءات الوطنية وأصحاب المعرفة والخبرة”، مما يؤكد على شمولية الدعوة وتجاوز الفوارق الاجتماعية.
نداء الواجب والمسؤولية التاريخية
يُبرز باشاغا في بيانه مكانة خاصة لمدينته مصراتة، موجهاً إليها نداءً مباشراً.
هذا ليس بدافع التعصب، بل “إدراكاً لدور مصراتة الوطني في محطات ليبيا المفصلية”.
يُذكر باشاغا أهل مصراتة بتاريخهم في “التضحيات حين وجب الدفاع” ومد أيديهم “للسلام عندما استدعت المرحلة العقل والحكمة”.
يُشدد على أن مصراتة جزء لا يتجزأ من قلب الوطن، موصولة “بالدم والمصاهرة، بالتجارة ووحدة المصير”.
يدعو باشاغا بوضوح المجلس البلدي لمصراتة وكافة القيادات السياسية والاجتماعية والعسكرية والأمنية (شيباً وشباباً) لبلورة “موقف جامع يعيد ترتيب الصف الداخلي ويوحد الكلمة خلف مشروع الدولة الواحدة العادلة”.
هذا النداء لمصراتة له وقع خاص جداً، فهو من أبن المدينة الذي حقن الدماء، ويُذكّر بالثوابت الوطنية التي ضحى من أجلها الأجداد والأبناء.
ما ينتظره باشاغا من مصراتة ليس غريباً عنها، فهي “دوماً في الموعد تلبي نداء الوطن وتجتمع على المصلحة الوطنية، وتمضي بثبات نحو بناء الدولة الجامعة”.
تأثير البيان على أهالي مصراتة ووقعه على كل الليبيين
على أهالي مصراتة:
.تذكير بالمسؤولية التاريخية: البيان يضع على عاتق مصراتة مسؤولية تاريخية كبيرة، مستنداً إلى إرثها الوطني العريق.
.دعوة لتوحيد الصف: يسعى باشاغا إلى حشد دعم مصراتة لـ”مشروع الدولة الواحدة”، وهو ما قد يُحدث نقاشاً داخلياً في المدينة بين الفصائل المختلفة.
.تعزيز مكانة باشاغا: قد يعزز هذا النداء المباشر من مكانة باشاغا داخل مصراتة، خاصة بين من يقدرون دوره السابق في حقن الدماء.
.تحدي: قد تواجه بعض الفصائل في مصراتة صعوبة في التوافق على موقف واحد جامع، نظراً لتعدد الولاءات والتوجهات داخل المدينة.
على كل الليبيين:
.نبرة موحدة: البيان يعكس نبرة مشابهة للمظاهرات الشعبية الأخيرة وبيان قبائل ورفلة (الذي صدر في نفس اليوم)، مما يُعطي إحساساً بأن هناك “صوت وطني واحد” بدأ يتبلور في مواجهة الانسداد.
.إعطاء أمل للحل: يهدف البيان إلى بث الأمل في إمكانية إيجاد حل وطني بعيداً عن الصراعات الحالية، خاصة طرحه للصراع كـ”مشروع دولة مقابل الفوضى”.
.كشف الحقائق: يساهم البيان في كشف الحقائق حول تدهور الأوضاع والمسؤولية عنها، مما قد يزيد من الضغط الشعبي على الأجسام السياسية الحالية.
.تحدي: مدى استجابة الأطراف السياسية والعسكرية المختلفة لهذا النداء سيبقى التحدي الأكبر.
أهداف البيان وأهميته وتوقيته:
الأهداف:
1-توحيد الصف الوطني: الهدف الأسمى هو صياغة “مشروع وطني جامع” يتجاوز الخلافات ويُعيد بناء الدولة.
2-حشد الدعم الشعبي والقبلي: ليكون هناك قوة ضغط شعبية لا يمكن تجاهلها.
3-إعادة تفعيل الحل السياسي: من خلال الحوار والبحث عن مخرج يعيد الأمل ويُعلي مصلحة ليبيا.
4-تحديد مسار مستقبلي: يدعو بشكل غير مباشر إلى قيادة وطنية قادرة على جمع الأطراف، وهو ما يمكن أن يفتح الباب لدوره المستقبلي.
5-الضغط على الأجسام الحالية: البيان هو إعلان صريح عن فقدان الثقة في الأجسام السياسية الحالية.
الأهمية:
.تكمن أهمية البيان في كونه صادراً عن شخصية ذات ثقل وخبرة في الدولة الليبية، مما يمنحه وزناً خاصاً.
.يتزامن مع حراك شعبي متصاعد، مما يزيد من احتمالية تأثيره على الأرض.
.يقدم رؤية شاملة تتجاوز مجرد الشكوى، إلى طرح مسارات للحل.
.إشارته إلى مصراتة تضفي بعداً استراتيجياً في محاولة توحيد القوى الغربية.
التوقيت:
.حاسم ومدروس: يأتي البيان في ذروة الغضب الشعبي، وبعد أيام من مظاهرات قوية في طرابلس وجنزور، وفي نفس يوم بيان قبائل ورفلة.
هذا التزامن ليس محض صدفة، بل هو استغلال للزخم الشعبي لتوجيه رسالة قوية وموحدة.
.الأشهر الحرم: صدوره في ذي القعدة يعكس رغبة في حقن الدماء وتغليب لغة العقل والحلول السلمية، حتى في ظل أقصى درجات الغضب.
.إفساح المجال للحلول الداخلية: يأتي بعد سنوات من التدخلات الدولية التي لم تُسفر عن حل، مما يجعل الدعوة إلى حل ليبي-ليبي أكثر إلحاحاً.
نحو معسكر الوطن.. رؤية سياسية ثاقبة تنتظر الاستجابة
بيان فتحي باشاغا الأخير، بكل ما يحمله من تحليل عميق للواقع المرير ودعوة صريحة للتوحد وإنصاف الجنوب والشرق والغرب، هو بمثابة خارطة طريق مبدئية يطرحها قيادي مؤمن بمشروع الدولة
إنه ليس مجرد صرخة غضب، بل هو تجسيد لرؤية سياسية ثاقبة تدرك أن معركة ليبيا الحقيقية هي بين “مشروع الدولة ومشروع الفوضى”.
إن وفاء باشاغا لوطنه وتطلعاته الواضحة لمستقبل أفضل لليبيين تتجلى في كل كلمة من بيانه.
يبقى السؤال الأهم: هل ستلتقي هذه الرؤية مع تطلعات الليبيين على اختلاف مشاربهم، وهل سينصت أهالي مصراتة، وقادة بقية القبائل والمكونات، لهذا النداء الذي يخرج من قلب الوطن ليُعلي المصلحة العليا؟
إن استجابتهم، واندماجهم في مشروع وطني جامع، هو ما سيحدد ما إذا كانت ليبيا ستتحرك بثبات نحو “معسكر الوطن” وتجديد عهد الأجداد في بناء دولة قوية عادلة، أم ستستمر في دوامة التشتت وتضارب الأولويات.
الكرة الآن في ملعب جميع الليبيين، والمستقبل يبنى على قرارات اليوم.