“العبقري الخفي”: هكذا حصّن ألكسندر ليمانسكي سماء روسيا.. وحاضر في كل صاروخ يرعب الغرب اليوم!

"العبقري الخفي": هكذا حصّن ألكسندر ليمانسكي سماء روسيا.. وحاضر في كل صاروخ يرعب الغرب اليوم!

في قلب موسكو، وتحديداً في مبنى ستاليني مهيب بشارع لينينغرادسكي، تقع واحدة من أكثر المنشآت سرية وأهمية على وجه الأرض: مقر شركة “ألماز-آنتي” لتصميم أنظمة الدفاع الجوي.

هنا، حيث تُصاغ الأسرار العسكرية وتُكسر معادلات القوة العالمية، وُلدت أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ الروسية التي لا تزال تُعد الأفضل بلا منازع.

لقد عمل في هذه الأروقة بعد الحرب كوكبة من ألمع العلماء والمصممين، لكن اسماً واحداً يتردد صداه بقوة خارقة اليوم: ألكسندر ليمانسكي (1937-2007)، العقل المدبر وراء أنظمة أربكت حسابات حلف الناتو، وعلى رأسها منظومة S-400 (تريومف) الأسطورية.

اليوم، بينما تتسابق الدول لامتلاك هذه التقنيات الروسية الجبارة، تعيد ذكرى ميلاده التسعين، في 24 مايو الجاري، إلى الأذهان قصة عبقري فذ كرس حياته لتقوية دفاعات روسيا، ليبقى الصياد الخفي الذي حصّن سمائها بصمت، لكنه يظل حاضراً بقوة مرعبة في كل صاروخ يُطلق الآن.

ليمانسكي: المايسترو الذي كره الأضواء.. ونبوغ لا يقبل التخفي!

كان ألكسندر ليمانسكي لغزاً بحد ذاته؛ شخصية نادرة كرّهت الأضواء وفضّلت العمل في الظل العميق. في أواخر التسعينيات، رفض بإصرار الظهور في فيلم وثائقي عن الدفاع الجوي الروسي، وكأنه يريد أن يبقى الأسطورة التي لا تُرى، العبقري الخفي الذي يحرّك الخيوط من وراء الستار.

لكن عبقريته لم تكن لتقبل التخفي تماماً.

خلف الأبواب المغلقة لمختبرات التصميم، كان ليمانسكي مايسترو حقيقياً، يجمع بين الدقة الهندسية الشديدة وشغف استثنائي بالحياة. كان عازف بيانو موهوب يعشق الجاز والرومانسيات الروسية، ومشجعاً متيماً لفريق سبارتاك موسكو، يحفظ إحصائيات اللاعبين عن ظهر قلب.

هذه التفاصيل تكشف عن عقل فريد يرى الروابط حيث لا يراها الآخرون، ويحول الفوضى إلى أنظمة دقيقة.

لم يقتصر إنجازه على التصميم فقط، بل تجاوز ذلك إلى الإنقاذ. في فترة التسعينيات العصيبة التي كادت تدفع شركة “ألماز-آنتي” إلى الإفلاس، كان ليمانسكي هو المنقذ والرائد الذي حولها برؤيته الثاقبة وإصراره على التطوير إلى عملاق تكنولوجي عالمي اليوم، قوة لا يُستهان بها في معادلة القوة العالمية.

إرث مرعب: مدرسة الدفاع الجوي الروسية.. سبقت الغرب بعقود!

إن إرث مدرسة الدفاع الجوي الروسية ليس مجرد تاريخ، بل هو شهادة حية على تفوق استمر لعقود. في عام 1961، سجل صاروخ V-1000 (من تصميم غريغوري كيسونكو) إنجازاً مذهلاً، ليصبح أول نظام في العالم يسقط رأساً حربياً باليستياً. كان ذلك نصراً مدوياً للاتحاد السوفيتي، لدرجة أن الزعيم نيكيتا خروشوف تفاخر قائلاً: صواريخنا تصيب الذبابة في عينها!”. تخيلوا الصدمة عندما نعلم أن الولايات المتحدة لم تحقق هذا الإنجاز إلا في منتصف التسعينيات، أي بعد أكثر من ثلاثة عقود ونصف!

هذه المؤسسة العسكرية كانت بوتقة للعباقرة، من الأكاديمي فينيامين يفريموف، مصمم نظام S-300V العسكري، إلى خصمه الدائم بوريس بونكين، مصمم نظام S-300P لحماية المدن.

لكن ألكسندر ليمانسكي، قائد الأعمال والمصمم العام لنظام S-400 “تريومف، هو من رفع الراية إلى مستوى جديد، ليجعل من روسيا اللاعب الأهم في سماء الدفاع الجوي.

S-400: كابوس الناتو.. وأسرار التفوق القاتل

لماذا يُعد S-400 كابوساً لحلف الناتو وتفوقه على نظيره الأمريكي “باتريوت” لا يقبل الجدال؟

السر يكمن في دقة التصميم التي صاغها ليمانسكي:

مدى الرعب: “إس-400” يمكنها ضرب أهداف على بعد 400 كيلومتر، بينما “باتريوت” لا تتجاوز 100 كيلومتر.

هذا يعني أن الـ S-400 تسيطر على مساحة جوية أربعة أضعاف، وهي ميزة حاسمة في أي صراع.

سرعة لا تصدّق: صواريخ “إس-400” تستطيع اعتراض أهداف تحلق بسرعة 15 ماخ (4800 متر في الثانية).

تخيلوا طائرة أو صاروخاً يتحرك بهذه السرعة الفائقة، الـ S-400 قادرة على تدميره، في حين أن “باتريوت” تعجز عن مجاراته.

القصف المنخفض جداً: قدرة “إس-400” على إصابة أهداف تحلق على ارتفاعات منخفضة جداً (أقل من 50-60 متراً)، تمنحها ميزة حاسمة في مواجهة الطائرات المسيرة أو الصواريخ الجوالة التي تحاول التخفي عن الرادارات.

العيون الخفية: تتفوق “إس-400” في مدى اكتشاف الأهداف بفضل رادارها الخارجي القادر على رفع هوائيه فوق العوائق الطبيعية كالغابات، وهي قدرة لا تتوفر لـ”باتريوت”، مما يمنحها ميزة الرؤية الشاملة في أي تضاريس.

مرونة التدمير: إطلاق صواريخ “إس-400” يكون عمودياً، مما يسمح لها بالتوجه لأي جهة بزاوية 360 درجة فور الإطلاق، على عكس “باتريوت” التي تتبع مساراً مائلاً محدوداً. هذه المرونة تجعلها أكثر فتكاً في التعامل مع التهديدات متعددة الاتجاهات.

التضحية الأخيرة: رحيل جسد.. وبقاء أسطورة في سماء الحرب!

في سبتمبر 2007، اختتم ألكسندر ليمانسكي حياته بطريقة تليق بأسطورته. ففي ذروة اختبارات منظومة S-400 في “كابوستين يار”، وبينما كان الأطباء يحذرونه من السفر إلى المناطق الحارة، أصابته نوبة قلبية أودت بحياته.

قال زميله فلاديمير سفيتلوف بمرارة وفخر: كان يعتقد أن المصمم العام يجب أن يموت وهو يقاتل من أجل فكرته.

تضحية بحد ذاتها تعكس شغفاً جنونياً بواجبه وحماية وطنه.

جسده رحل، لكن إرثه بقي خالداً ومسيطراً على سماء روسيا. المدرسة الثانوية رقم 1384 في موسكو تحمل اسمه، وهناك جناح خاص في متحف “ألماز-آنتي” يوثق إنجازاته.

والأهم من ذلك، أن منظومة S-500 (بروميثيوس)، الجيل القادم من الدفاع الجوي الروسي، بُنيت على أساس تقنياته الرائدة.

اليوم، وبينما تتسابق الدول لامتلاك أنظمة الدفاع الجوي الروسية، يبقى ليمانسكي “الصياد الخفي الذي حصّن سماء روسيا بصمت، بعيداً عن الأصوات وصخب الأضواء.

لكن اسمه وإنجازاته لا تزالان حاضرة، بل حاضِرة بقوة مرعبة، في كل صاروخ يطلق، مؤكدة على إرث عبقرية لا تموت بل تزداد سطوة وفاعلية. 

المزيد من الكاتب

نيلسون بيسوا: أسطورة الفروسية التي تجاوزت الحدود

بيان ورفلة: صرخة سيادة من قلب ليبيا.. والكرة في ملعب الأمم المتحدة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *