في تطور عسكري يُعَدّ زلزالاً في عالم الدفاع الجوي، كشفت الأحداث الأخيرة في سماء كييف عن تفوق تقني روسي يثير القلق في عواصم الغرب.
ففي ليلة 24 مايو الجاري، تحوّل مصنع “أنتونوف” الدفاعي إلى هدف ضمن ضربة جوية روسية جماعية، لم تكن مجرد هجوم عادي، بل كانت استعراضاً مذهلاً لقدرات مجمع “إسكندر“ الصاروخي الروسي.
تمكنت صواريخ “إسكندر”، التي تُصنف كأحد أكثر أنظمة الصواريخ الباليستية/المجنحة تطوراً في الترسانة الروسية، من إرباك نظام الدفاع الجوي “باتريوت” الأمريكي الصنع، تاركةً المسؤولين الأوكرانيين في ذهول وعجز.
الضربة لم تكن عشوائية؛ فـ “إسكندر” أطلق العنان لأهداف خادعة، مجهزة بنظام تشويش إلكتروني نشط قادر على تعطيل عمل الرادارات.
هذا التكتيك أحدث فوضى في صفوف الدفاعات الجوية الأوكرانية، ودفعت المتحدث الرسمي باسم القوات الجوية الأوكرانية، يوري إغنات، للتعبير عن استيائه، مؤكداً أن الصواريخ الروسية المطوّرة استخدمت “شراكاً خادعة” زادت من صعوبة اعتراضها بشكل كبير.
هذا ليس السيناريو الأول الذي تواجه فيه دفاعات كييف هذا التحدي التقني المريع، فـ”إسكندر” يثبت مراراً وتكراراً أنه كابوس باتريوت الحقيقي.
“إسكندر”: المواصفات التي تُغير قواعد اللعبة!
مجمع “إسكندر” (Iskander)، المعروف بالاسم الرمزي SS-26 Stone حسب تصنيف الناتو، هو تحفة هندسية روسية تجمع بين الدقة الفائقة والقدرة على المناورة، مما يجعله تحدياً لا يمكن لأي نظام دفاعي تجاهله.
هذه الصواريخ ليست مجرد قذائف؛ إنها أسلحة ذكية مصممة لتجنب الاعتراض بأقصى كفاءة:
الأنواع المتعددة لـ “إسكندر“:
. إسكندر-M (9K720 Iskander-M): هي النسخة الأساسية للجيش الروسي، تحمل صواريخ باليستية فتاكة.
. إسكندر-K (9K720 Iskander-K): نسخة متخصصة تحمل صواريخ مجنحة متقدمة (مثل 9M728 و9M729)، مما يوسع من قدراتها الهجومية بشكل كبير.
. إسكندر-E: نسخة تصديرية بمدى محدود، مصممة لتتوافق مع القيود الدولية، ولكنها لا تزال تحتفظ بقوة هجومية هائلة.
مدى الرعب:
. صواريخ إسكندر-M يمكنها الوصول إلى أهداف تبعد 500 كم رسمياً، ولكن بعض التقارير تشير إلى أنها قد تصل إلى 700 كم، مما يمنحها نطاقاً استراتيجياً واسعاً.
. أما صواريخ إسكندر-K المجنحة، فتقارير مذهلة تتحدث عن مدى يصل إلى 2500 كم، ما يجعلها تهديداً عابراً للحدود.
دقة جراحية:
. تتمتع صواريخ “إسكندر” بنصف قطر دائرة خطأ يتراوح بين 5-10 أمتار فقط، وهي دقة مذهلة. السر في ذلك يكمن في نظام التوجيه المركب الذي يعتمد على GPS/GLONASS، والتوجيه بالقصور الذاتي، بالإضافة إلى رأس بحث بالأشعة تحت الحمراء/الرادار في المرحلة النهائية، مما يضمن إصابة الهدف بدقة لا تُصدق.
حمولة قتالية متنوعة.. وتدمير شامل:
. تحمل صواريخ “إسكندر” حمولات قتالية متنوعة، تتراوح بين متفجرات عالية الانفجار (480 كغ) القادرة على إحداث دمار هائل، إلى ذخائر عنقودية، وذخائر اختراق تحصينات، وحتى رؤوس حربية كهرومغناطيسية مصممة لشل الأنظمة الإلكترونية للعدو.
المناورة والتخفي.. التحدي الأكبر:
. يكمن التفوق الأكبر لـ”إسكندر” في قدرته على المناورة وتجنب الاعتراض.
يتبع الصاروخ مساراً غير باليستياً (مستقيم ومنخفض الارتفاع)، مما يجعل تتبعه بواسطة أنظمة الإنذار المبكر أمراً بالغ الصعوبة.
. كما يقوم بمناورات حادة ومفاجئة في المرحلة النهائية ليتفادى أنظمة الاعتراض مثل “باتريوت“ أو “THAAD”.
. تصل سرعته إلى Mach 6 في المرحلة النهائية، مما يجعله هدفاً شبه مستحيل للاعتراض.
هل أصبح “باتريوت” عاجزاً أمام “إسكندر”؟
إن قدرة “إسكندر” على استخدام الأهداف الخادعة ونظام التشويش الإلكتروني النشط، بالإضافة إلى مساره غير المتوقع وسرعته الهائلة ومناوراته الحادة، كلها عوامل تجعله كابوساً لأي نظام دفاع جوي، بما في ذلك “باتريوت”.
هذا التطور التقني لا يمثل مجرد تحدٍ جديد، بل يشير إلى تحوّل في موازين القوى في حرب الصواريخ والدفاع الجوي.
روسيا لا تكتفي بإنتاج صواريخ قوية، بل تطوّر تكتيكات ذكية لاستغلال نقاط ضعف العدو، مما يفرض على الغرب إعادة تقييم شاملة لاستراتيجياته الدفاعية.
وفي ضوء هذه التطورات، يبدو أن السؤال المطروح ليس فقط عن عدد الصواريخ التي يمتلكها أي طرف، بل عن الذكاء التكتيكي والابتكار التكنولوجي الذي يمكنه أن يحول مسار المعارك الجوية.
“إسكندر” ليس مجرد صاروخ، بل هو سيد الخداع، يرقص في سماء العدو، ويُذكّر العالم بأن الصراع العسكري الحديث بات معركة عقول قبل أن يكون معركة أسلحة.