من عمّان إلى طرابلس وغزة: الأردن يعزز قوته الجوية ويقود جهود الإغاثة في منطقة ملتهبة

من عمّان إلى طرابلس وغزة: الأردن يعزز قوته الجوية ويقود جهود الإغاثة في منطقة ملتهبة

عمان، الأردن – 23 مايو 2025، 17:00 بتوقيت ليبيا (15:00 غرينتش)

في مشهد إقليمي يتسم بالتوترات المتصاعدة والأزمات الإنسانية العميقة، يبرز الأردن كلاعب محوري، لا يكتفي بتعزيز قدراته العسكرية، بل يمد يده بالمساعدة الإنسانية عبر سلاح جوه الملكي.

فمن سماء غزة المحاصرة إلى أرض ليبيا التي مزقتها الفيضانات، يُسطر الأردن فصلاً جديداً في سياسته الخارجية، مدفوعاً برؤية ملكية تهدف إلى تعزيز الأمن الوطني والإقليمي، بينما تترقب عواصم المنطقة، وإسرائيل بشكل خاص، هذه التطورات بتدقيق.

تطورٌ استراتيجي: رؤية ملكية لقوة جوية أردنية محترفة

لا يُعد تحديث سلاح الجو الملكي الأردني مجرد عملية عسكرية روتينية، بل هو تجسيد لرؤية استراتيجية يقودها جلالة الملك عبدالله الثاني.

يؤكد العميد الركن الطيار محمد فتحي الحياصات، قائد سلاح الجو، أن هذا التطور يهدف إلى تحقيق “أعلى المستويات الاحترافية على مستوى الإقليم”، ما يعكس طموحاً أردنياً راسخاً لترسيخ دور القوات المسلحة في حماية الوطن والمساهمة الفاعلة في الأمن الإقليمي والدولي.

تتضمن هذه القفزة النوعية محاور أساسية:

تحديث الأسطول القتالي: يشمل ذلك استلام طائرتين من طراز F-16 بلوك 70، ضمن خطة متكاملة لزيادة العدد إلى 16 طائرة.

تهدف هذه الإضافات إلى رفع كفاءة سلاح الجو القتالية وقدرته على الردع.

تعزيز كفاءة الطيارين: افتتح الأردن سرب تدريب الطائرات التشبيهي، ما يُعزز من قدرة الطيارين الأردنيين على مواكبة أحدث التقنيات والقيادة بكفاءة عالية في مختلف الظروف.

تطوير النقل والاستطلاع: حصل سلاح الجو على طائرات C-130 مزودة بأنظمة متطورة، بالإضافة إلى طائرات “ليتل بيرد” و”سيسنا كرفان” لتعزيز قدرات الدعم الأرضي والاستطلاع الجوي، وهي عناصر حاسمة للمراقبة وجمع المعلومات.

عصر الطائرات المسيّرة والدفاع الجوي: دخل الأردن بقوة مجال الطائرات المسيّرة بدون طيار، التي يمكنها الطيران لمدة 24 ساعة فوق المناطق الحدودية، مدعومة بنظام “UTM” للتحكم الشامل بها.

كما تم تطوير منظومة الدفاع الجوي لمواجهة الطائرات المسيرة عبر التشويش الإلكتروني والمدافع، ما يعكس تحديثاً لمواجهة التهديدات الجوية الحديثة.

دعم مدني وإقليمي متخصص: تُضاف طائرات “إير تراكتر” الحديثة لمكافحة الحرائق إلى الأسطول، وهي قادرة على العمل محلياً ودعم دول البحر المتوسط عند الحاجة، ما يوسع من المهام المدنية والإنسانية للسلاح.

الأردن: جسر إنساني يمتد من غزة إلى ليبيا والعالم

لا يقتصر الدور الأردني على تعزيز القوة العسكرية، بل يمتد إلى التزام إنساني راسخ يضعه في طليعة جهود الإغاثة الإقليمية والدولية:

شريان الحياة لغزة: أكد العميد الحياصات تنفيذ سلاح الجو 126 رحلة جوية لإنزال مساعدات غذائية وطبية حيوية في قطاع غزة، بما في ذلك 16 طائرة مزودة بأنظمة GPS دقيقة لضمان وصول المساعدات إلى المستشفيات الميدانية الأردنية.

هذه الجهود تُظهر عزيمة أردنية على تجاوز القيود المفروضة وتخفيف المعاناة.

مبادرة “السماء المفتوحة” لغزة: في خطوة دبلوماسية وإنسانية جريئة، أعلن الأردن عن فتح جميع قواعد ومدارج سلاح الجو لأي دولة ترغب بالمشاركة في إيصال المساعدات إلى قطاع غزة جوياً.

هذه الدعوة الصريحة للتعاون الدولي تُسلط الضوء على الإلحاح الإنساني في غزة وتُشجع على تضافر الجهود العالمية.

عونٌ للأشقاء في ليبيا والمنطقة: لم تكن غزة الوحيدة المستفيدة من الدور الإنساني الأردني. فقد قدم سلاح الجو مساعدات حيوية لسوريا وتركيا بعد الزلزال، ودعم لبنان في انفجار مرفأ بيروت، كما لعب دوراً محورياً في عمليات الإغاثة إثر الفيضانات المدمرة التي ضربت ليبيا.

يمتد هذا الدور ليشمل إجلاء الأردنيين من مناطق الخطر حول العالم، ما يعكس التزاماً أخلاقياً واسع النطاق.

تأثيرات متعددة: الأردن كفاعل إقليمي وإسرائيل في مرمى الضغط

تُشكل هذه التطورات الأردنية، سواء على الصعيد العسكري أو الإنساني، رسائل ذات دلالات عميقة للساحة الإقليمية والدولية:

تعزيز مكانة الأردن: يصبح الأردن لاعباً إقليمياً أكثر استقلالية وتأثيراً، قادراً على حماية مصالحه وتقديم الدعم في الأزمات، مما يرفع من وزنه السياسي والدبلوماسي، ويُعزز من صورته كشريك موثوق به للدول الكبرى في منطقة متوترة.

نظرة إسرائيل: تتلقى إسرائيل هذه التطورات بنظرة معقدة، فليست بالضرورة “مرتاحة” بشكل كامل:

شراكة أمنية واستقرار إقليمي: قد تُرحب إسرائيل بتعزيز قدرات حليف إقليمي، لا سيما في مكافحة التهديدات المشتركة كالإرهاب وتهريب الأسلحة.

إن تطوير الدفاعات الجوية ضد المسيرات مثلاً، يمكن أن يُنظر إليه كإضافة للاستقرار الأمني في المنطقة.

ضغط على ملف غزة الإنساني: هنا يكمن جوهر عدم الارتياح الإسرائيلي. إن إصرار الأردن على تنفيذ هذا العدد الكبير من رحلات الإنزال الجوي للمساعدات في غزة، واستخدامه لتقنيات دقيقة لضمان وصولها، وخصوصاً مبادرته بفتح قواعده الجوية لأي دولة ترغب في دعم غزة جواً، يُشكل ضغطاً دبلوماسياً وسياسياً كبيراً على إسرائيل.

ففي ظل سيطرتها على المعابر، تُظهر هذه الخطوات الأردنية عزيمة على تجاوز القيود المفروضة وتُقلل من قدرة إسرائيل على التحكم الكامل في مسار المساعدات، مما يضعها في موقف حرج أمام المجتمع الدولي ويُظهر تراجع نفوذها في هذا الملف الإنساني الحساس.

الأردن يترسخ كلاعب إقليمي مؤثر

في ظل التحديات الجيوسياسية الراهنة، تُعزز خطوات الأردن في تحديث سلاح جوه وتوسيع دوره الإنساني من مكانته كفاعل إقليمي حيوي.

إن هذه الاستراتيجية المزدوجة، التي تجمع بين تعزيز القدرات الدفاعية والاضطلاع بمسؤولية إنسانية واسعة، تُمكّن الأردن من التأثير بفاعلية في ديناميكيات المنطقة، وتُرسل رسائل واضحة حول التزامه بالأمن والاستقرار، مع تقديم يد العون للمتضررين في غزة وليبيا وسائر الدول الشقيقة والصديقة.

المزيد من الكاتب

تصعيد وتخوف: المشهد الدراماتيكي بين روسيا وأوكرانيا وأوروبا.. ودهاء بوتين ورهانات ترامب الخفية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *