اليوم 1183 للحرب: "صدمة ترامب" تهز الغرب.. مذكرة سلام روسية على الطاولة، وعقوبات بريطانية حاسمة في مواجهة انقسام الحلفاء
نيويورك، سوتشي، كييف – 21 مايو 2025
في عمق اليوم 1183 للحرب في أوكرانيا، وبينما تتسارع إيقاعات الصراع على الجبهات، اهتزت عواصم العالم على وقع تحول دراماتيكي في السياسة الأمريكية.
فجر هذا اليوم، ومن قلب نيويورك، أعلن الرئيس دونالد ترامب عن نية مفاجئة لـ”إبطاء” العقوبات على موسكو، متفقاً مع وزير خارجيته ماركو روبيو على أن هذه الإجراءات “قد تكون غير منتجة”.
لم يكتفِ بذلك، بل أطلق أيضاً مشروع “القبة الذهبية” – درع صاروخي هائل بتكلفة تُقدر بـ175 مليار دولار، في فكرة تُعيد للأذهان عقيدة رونالد ريغان القديمة.
هذا التحول الأمريكي، الذي يشي باستراتيجية جديدة توازن بين الضغط العسكري والدبلوماسية، لم يمر دون أن يُحدث رجات عنيفة في أروقة السياسة الدولية.
ترامب يفرض إيقاعه: تذبذب في العقوبات ومذكرة سلام بوتينية تلوح في الأفق
كانت مكالمة ترامب وبوتين أكثر من مجرد تبادل للكلمات، لقد كانت مسرحاً لمناورة سياسية كبرى بدأت تتكشف خفاياها مع تقدم الساعات في يوم 21 مايو. الرئيس ترامب، الذي وصف محادثته مع بوتين بأنها “ممتازة”، صرح أن الزعيم الروسي سيقدم “مذكرة سلام” تتضمن شروطه لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب.
وأبلغ ترامب حلفاءه الأوروبيين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنه طلب من بوتين تقديم “مقترح يتفق عليه الجميع” وليس مقترحاً “سيُرفض رفضاً قاطعاً”.
هذه الخطوة أثارت قلق زيلينسكي الذي أكد أن جولات المفاوضات السابقة مع بوتين لم تسفر عن شيء، مشدداً على أنه “إذا لم يُطالب ترامب، فلن يُحرك بوتين ساكناً”.
ترامب، من جانبه، لوّح في الساعة 3:11 مساءً (من يوم 20 مايو، لكن تداعياتها كانت حاضرة بقوة في 21 مايو) بالانسحاب من المفاوضات “إذا لم يتم تحقيق تقدم نحو الهدنة”، متحدياً بوتين بسؤال: “متى سننهي هذا سفك الدماء، هذا الحمام الدموي؟”.
تلك الصورة الدموية التي رسمها ترامب للحرب، أكدت على ما يبدو رؤيته بأن بوتين “يريد إنهاءه” أيضاً، في مفارقة لم تخلُ من الغرور السياسي الذي أشار إليه ترامب نفسه.
ولقد ناقش ترامب وبوتين إمكانية لقاء وجهاً لوجه، مما أضاف طبقة أخرى من الغموض والترقب للمشهد الدبلوماسي.

المفاجأة كانت في تصريح ترامب، في الساعة 4:28 صباحاً، بأن قراره بشأن المزيد من العقوبات على موسكو سيعتمد على “كيفية تصرف روسيا”، مؤكداً “هذا سيكون قراري.
لن يكون القرار بيد أي شخص آخر”. هذه التصريحات، التي سبقتها أخرى في الساعة 10:24 مساءً (20 مايو) حيث عاد ترامب للحديث عن “عقوبات جديدة على موسكو؟ لنرَ”، أكدت التذبذب الأمريكي الذي ترك حلفاءه في حيرة، خاصة بعد أن كشفت وكالة بوليتيكو، في الساعة 11:15 صباحاً، أن الولايات المتحدة تعارض إدراج “مزيد من الدعم” لأوكرانيا في بيان وزراء مالية مجموعة السبع، بل وترددت في وصف الغزو الروسي بـ”غير القانوني”.
وفي السياق ذاته، كانت تقارير مراسلي نيويورك في الساعة 4:26 صباحاً تسلط الضوء على تصريحات ترامب وروبيو الأخيرة حول “إبطاء العقوبات” و”إطلاق الدرع الصاروخية”.
وقبل هذه التصريحات، وفي الساعة 10:56 مساءً (20 مايو)، كان وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو قد صرح بأنه يتوقع أن تُقدم روسيا “الخطوط العريضة لوقف إطلاق النار مع أوكرانيا خلال أيام قليلة”، ما سيسمح للولايات المتحدة بتقييم مدى جدية موسكو.
أوروبا بين التوتر والتصميم: عقوبات بريطانية حاسمة ونداءات إيطالية للوساطة
في مواجهة هذا التحول الأمريكي، لم يأتِ الرد القاسي من كييف فحسب. ففي الساعة 12:02 ظهراً (20 مايو، لكن الإعلان عنها جاء في 21 مايو مما يجعلها جزءاً حيوياً من أحداث هذا اليوم المتشابكة)، أعلنت المملكة المتحدة عن عقوبات بريطانية جديدة واسعة النطاق تستهدف القطاعات العسكرية، الطاقة، والمالية في روسيا. هذه العقوبات، التي جاءت رداً على ضربات الطائرات بدون طيار الأوكرانية خلال عطلة نهاية الأسبوع (والتي وُصفت بأنها أكبر هجوم بطائرات بدون طيار في الحرب)، استهدفت “سلاسل توريد أنظمة الأسلحة الروسية، بما في ذلك صواريخ إسكندر، وعمليات المعلومات الممولة من الكرملين، والمؤسسات المالية التي تساعد روسيا على التهرب من العقوبات، والسفن في أسطول الظل الروسي من ناقلات النفط”.
وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، كان حاسماً: “نحث (الرئيس الروسي فلاديمير بوتن) على الموافقة على وقف إطلاق النار الكامل وغير المشروط الآن حتى نتمكن من بدء محادثات بشأن سلام عادل ودائم”. وأضاف بتصميم: “لقد أوضحنا أن تأخير جهود السلام لن يؤدي إلا إلى مضاعفة تصميمنا على مساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها واستخدام عقوباتنا لتقييد آلة الحرب التي يستخدمها بوتن”. هذا الموقف البريطاني يُشكل توازناً قوياً في وجه تباطؤ العقوبات الأمريكية، ويُظهر أن جبهة غربية متماسكة لا تزال عازمة على الضغط على موسكو.

من جانبها، سعت أوروبا لتأكيد دورها الدبلوماسي. في الساعة 7:48 صباحاً، أعرب وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني عن تأييده القوي لفكرة استضافة الفاتيكان لمفاوضات السلام، مشدداً على أن “الفاتيكان يمكن أن يلعب دوراً أساسياً”، لكنه حذر: “الوقت قد حان للمفاوضات… الفاتيكان ليس فندقاً”.
هذه التصريحات جاءت في ظل صمت الفاتيكان، الذي لم يصدر أي تصريح علني حول وساطته منذ مكالمة ترامب وبوتين.
وعلى الصعيد الاقتصادي، كشفت رويترز في الساعة 12:15 ظهراً عن خطة أوكرانية لتقديم “ورقة بيضاء” للاتحاد الأوروبي الأسبوع المقبل، تطلب فيها من الكتلة اتخاذ موقف “أكثر عدوانية واستقلالية” بشأن العقوبات، بما في ذلك مصادرة الأصول الروسية وفرض “عقوبات ثانوية على مشتري النفط الروسي”، في ظل “عدم اليقين بشأن دور واشنطن في المستقبل”.
وفي الساعة 6:39 مساءً (20 مايو)، قرر مجلس الاتحاد الأوروبي فرض تدابير تقييدية إضافية ضد ثلاث كيانات روسية متورطة في تطوير واستخدام الأسلحة الكيميائية، وذلك استناداً إلى تقارير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي أكدت وجود مواد كيميائية محظورة في أوكرانيا.
هذا القرار يؤكد على استمرار الاتحاد الأوروبي في نهج الضغط رغم التغيرات في الموقف الأمريكي.
روسيا تتمسك بشروطها: لا موعد نهائي لمذكرة السلام وحظر المنظمات الدولية
في المقابل، كانت نبرة الكرملين أكثر حذراً وتشدداً. ففي الساعة 3:14 مساءً (20 مايو)، صرح المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحفيين أنه “لا يوجد موعد نهائي” لإعداد مذكرة التفاهم بين موسكو وكييف، مُذكّراً بأن “الشيطان يكمن في التفاصيل”.
وأكد أن “روسيا وأوكرانيا ستضعان مشاريعهما الخاصة”، وأن الأطراف “ستتبادل هذه المقترحات… وبعد ذلك، ستجري اتصالات مكثفة لصياغة نص موحد”.
بيسكوف كشف أيضاً أن بوتين وترامب ناقشا في مكالمتهما “مسألة الاتصال المباشر للمفاوضات” بين الزعيم الروسي وزيلينسكي، ما يُشير إلى استعداد روسي لخط مباشر على أعلى مستوى، ولكن بشروطه الخاصة.

وفي تصعيد آخر، تأكد في الساعة 3:12 مساءً أن روسيا ترفض وقف إطلاق النار قبل المفاوضات مع أوكرانيا، على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف الذي صرّح: “نحن لا نريد هذا بعد الآن”، ما يُظهر تصلب الموقف الروسي. وفي الوقت نفسه، اتهم لافروف “ماكرون وستارمر وفون دير لاين وشخصيات أوروبية أخرى” بـ”المطالبة الهستيرية للولايات المتحدة بالانضمام إلى الإجراءات المناهضة لروسيا وزيادة العقوبات”، ما يُشير إلى تزايد الاستقطاب بين روسيا والغرب. وفي تحرك ذي دلالة، قام بوتين بزيارة مفاجئة لمحطة كورسك للطاقة النووية في تمام الساعة 7:48 صباحاً، في إشارة على استمراره في مسار التصعيد وتحدي الضغوط الدولية.
وفي خطوة أخرى تُظهر تشدداً روسياً داخلياً، أعلنت روسيا في الساعة 12:47 ظهراً (19 مايو) عن حظر منظمة العفو الدولية باعتبارها “منظمة غير مرغوب فيها”.
هذا التصنيف، الذي يجعل الانخراط مع المنظمة جريمة جنائية، يهدف إلى إجبار المنظمة على إيقاف جميع أنشطتها في البلاد، ويُهدد بالحبس من يتعاون معها أو حتى يشارك محتواها على وسائل التواصل الاجتماعي.
روسيا اتهمت منظمة العفو الدولية بأنها “مركز لإعداد مشاريع عالمية معادية لروسيا” وأنها تسعى لـ”تصعيد المواجهة العسكرية في المنطقة”، و”تبرير جرائم النازيين الجدد الأوكرانيين”، وهي اتهامات تُعتبر دعاية لا أساس لها من الصحة من قبل أوكرانيا والغرب.
الحرب مستمرة: خسائر بشرية وضربات متبادلة، وقمة مجموعة السبع كرسالة للعالم
بينما كانت الدبلوماسية تتقلب، لم تتوقف آلة الحرب عن حصد الأرواح. ففي الساعة 6:51 صباحاً، أُصيب خمسة أفراد من عائلة واحدة في غارة جوية روسية بطائرة بدون طيار على منزلهم في منطقة كييف، في تذكير قاسٍ بالثمن المدني للصراع.
وفي الساعة 11:30 صباحاً، أكدت منظمة ميموريال مقتل المتطوع الإيطالي أنطونيو عمر دريدي، وهو الخامس الذي يسقط على الجبهة الأوكرانية.

وعلى الرغم من كل هذه التطورات، أكدت كندا في الساعة 4:27 صباحاً أن حضور أوكرانيا في قمة مجموعة السبع في كندا يمثل “رسالة قوية للعالم”، حيث تعهد أعضاء المجموعة بدعم أوكرانيا ضد الغزو الروسي.
وأضاف وزير المالية الكندي فرانسوا فيليب شامبين أن الهدف من الاجتماع هو مناقشة تقييم مسؤوليات روسيا وبدء النقاش حول إعادة الإعمار، مما يعكس استمرار الدعم الدولي لكييف رغم التحديات.
مشهد عالمي معقد
مع نهاية هذا اليوم المليء بالتوترات، بدا المشهد الدولي أكثر تعقيداً وتعددية.
تراجع ترامب عن العقوبات وتأكيد روسيا على شروطها المسبقة يضعان أوروبا أمام خيارات صعبة. الاتحاد الأوروبي، الذي فرض عقوبات جديدة على موسكو، يواصل العمل على حزم عقوبات إضافية، ويُظهر تصميماً على المضي قدماً حتى لو لم تنضم واشنطن بشكل كامل.
الوضع في أوكرانيا يبقى على صفيح ساخن، مع استمرار الهجمات والخسائر البشرية.
وفي ظل عدم اليقين بشأن الدور الأمريكي المستقبلي، وتصلب الموقف الروسي، ودعوات زيلينسكي لمزيد من الضغط، يبدو أن أوروبا باتت مجبرة على صياغة استراتيجيتها الخاصة في مواجهة حرب لا تلوح لها نهاية وشيكة.
المكالمات الهاتفية، والتصريحات المتضاربة، والتحركات العسكرية، وحتى الملاحظات الشخصية للرؤساء، تُشكل كلها فصولاً في دراما سياسية دولية تُكشف تفاصيلها يوماً بيوم، وتُبقي العالم في حالة ترقب دائم.