في يوم السبت، الرابع والعشرين من مايو عام 2025، انبلج فجرٌ جديد على سوريا، حاملاً معه نبأً هزّ المنطقة بأكملها: تخفيف العقوبات الأمريكية.
لم يكن هذا القرار مجرد إعلان دبلوماسي عابر، بل كان تتويجاً لأسابيع من التمهيد والتصريحات الغامضة، كاشفاً عن تحولات عميقة في المشهد الإقليمي والدولي. قصة بدأت بهمسات رئاسية، وانتهت بفتح آفاق “التعاون” و”العظمة” التي طال انتظارها.
همسة ترامب من الرياض: الشرارة الأولى للتحول
قبل هذا الإعلان بأيام قليلة، وخلال جولة خليجية مثيرة للجدل في مايو 2025، ألقى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قنبلة دبلوماسية من قلب المملكة العربية السعودية.
بكلمات قاطعة، أعلن ترامب أنه “سيأمر برفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا”.
وصف العقوبات بأنها “قاسية ومُشلّة”، مؤكداً أن الخطوة تهدف إلى “منح سوريا فرصة للوصول إلى العظمة”.
“حان وقت تألقهم”، قال ترامب، داعياً سوريا لتُري العالم شيئاً “مميزاً جداً”.
تصريحات ترامب، التي جاءت في سياق “أمريكا أولاً”، لم تكن مفاجئة تماماً لمن يتابع كواليس السياسة الخارجية الأمريكية. وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو كشف لاحقاً أن واشنطن كانت “تمهد” لرفع هذه العقوبات حتى قبل إعلان ترامب، بمنح تأشيرات لوزيري المالية والخارجية السوريين لزيارة واشنطن ونيويورك.
“قانون قيصر”: مفتاح الإعفاء المؤقت وشروط “الاختبار”
في فجر السبت، الخامس والعشرين من مايو، تحولت همسات ترامب إلى واقع ملموس. أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية رسمياً عن إصدار “الترخيص العام رقم 25 لسوريا”.
هذا الترخيص، الذي دخل حيز التنفيذ فوراً، لم يكن إلغاءً شاملاً للعقوبات، بل “إعفاءً” بموجب قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا.
أوضح ماركو روبيو أن جوهر هذه العقوبات “قانوني بموجب قانون قيصر”، وأن الإدارة الأمريكية استجابت لطلبات الكونغرس من كلا الحزبين لاستخدام “سلطة الإعفاءات”. الهدف كان واضحاً: “زيادة الاستثمارات والتدفقات النقدية التي ستُسهّل الخدمات الأساسية وإعادة الإعمار في سوريا”، ودعم جهود الشعب السوري “لبناء مستقبل أكثر إشراقاً”.
الأهم من ذلك، أن هذا الإعفاء لم يكن مطلقاً.
فقد أوضحت الخزانة الأمريكية أنه يشكل “جزءاً واحداً فقط من جهد حكومي أمريكي أوسع نطاقاً لإزالة الهيكل الكامل للعقوبات”، مؤكدة أن الإعفاءات يتعين تجديدها كل 180 يوماً للتقييم.
هذه الفترة الزمنية ليست مجرد إجراء إداري، بل هي مرحلة “اختبار” أو “تقييم“. خلالها، ستراقب الولايات المتحدة عن كثب مدى التزام الحكومة السورية الجديدة بمعايير مثل عدم توفير ملاذ آمن للمنظمات الإرهابية، وضمان أمن الأقليات الدينية والعرقية، واستقرار البلاد.
كما تم التأكيد بوضوح على أن هذا القرار “لا يسمح بإجراء معاملات تعود بالنفع على روسيا أو إيران أو كوريا الشمالية”، وهي الدول التي كانت تدعم النظام السابق.

ترحيب دمشق ومواقف عربية داعمة: يدٌ ممدودة للتعاون
في دمشق، لم يتأخر الرد. وزارة الخارجية السورية رحبت بالقرار، واصفة إياه بأنه “خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح للتخفيف من المعاناة الإنسانية والاقتصادية في سوريا”.
وأكدت دمشق أنها “تمد يدها لكل من يرغب في التعاون، على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية”، مؤكدة أن “الحوار والدبلوماسية هما السبيل الأمثل لبناء علاقات متوازنة”.
وزير الخارجية في الحكومة السورية الانتقالية، أسعد الشيباني، عبر عن تفاؤل كبير، واعداً الشعب السوري “بمزيد من النجاحات في الأشهر المقبلة” لاستكمال رفع العقوبات الأوروبية والأمريكية.
على الصعيد الإقليمي، رصدت التقارير ترحيباً ضمنياً وصريحاً من عدة دول عربية، خصوصاً المملكة العربية السعودية وقطر.
يُنظر إلى هذا التخفيف كضوء أخضر محتمل لهذه الدول لبدء ضخ الاستثمارات والدعم المالي، مما يعزز فرص إعادة الإعمار وإعادة سوريا إلى خريطتها الاقتصادية والسياسية الإقليمية.
هذا الترحيب يعكس رغبة مشتركة في استقرار سوريا وعودتها إلى محيطها العربي الطبيعي.
سوريا الجديدة: بين الأمل والحذر في مسار مجهول
الترخيص العام رقم 25 لا يسمح فقط بالاستثمار الجديد في سوريا وتقديم الخدمات المالية المتعلقة بالنفط، بل يجيز أيضاً جميع المعاملات مع “الحكومة السورية الجديدة” وبعض الأشخاص المحددين في ملحق الترخيص. هذا يشمل السماح للمؤسسات المالية الأمريكية بالاحتفاظ بحسابات مراسلة للبنك التجاري السوري.
تصريحات وزير الخزانة سكوت بيسنت لخصت الرؤية الأمريكية: “يجب على سوريا أن تواصل العمل على أن تصبح دولة مستقرة تنعم بالسلام، ونأمل أن تُمهّد إجراءات اليوم الطريق للبلاد نحو مستقبل مشرق ومزدهر ومستقر”.
هذه “المرحلة الاختبارية” التي تمتد لـ 180 يوماً تحمل في طياتها الكثير من الأمل والحذر.
فإذا التزمت الحكومة السورية الجديدة بالشروط والمؤشرات الإيجابية، فمن المرجح أن يتم تمديد الإعفاءات أو حتى التفكير في رفع جزئي أو كلي للعقوبات تدريجياً.
هذا المسار يضع سوريا أمام تحدٍ تاريخي لاغتنام هذه الفرصة وبناء مستقبل مزدهر يستحقه شعبها بعد سنوات طويلة من المعاناة والعزلة.