دبلوماسية جدلية: ترامب يُواجه رئيس جنوب أفريقيا بـ”صورة مغلوطة” في سباق المصالح

دبلوماسية جدلية: ترامب يُواجه رئيس جنوب أفريقيا بـ"صورة مغلوطة" في سباق المصالح

واشنطن، الولايات المتحدة – 23 مايو 2025 (رويترز/الأناضول) – في لقاءٍ عاصفٍ بالمكتب البيضاوي قبل يومين، شهدت الدبلوماسية الأمريكية مشهداً نادراً حينما عرض الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ما وصفه بأنه “أدلة” على عمليات قتل جماعي لمزارعين بيض في جنوب أفريقيا، وذلك أمام نظيره الجنوب أفريقي سيريل رامابوسا. هذا الاجتماع، الذي أثار جدلاً واسعاً، كشف عن تكتيكات دبلوماسية جريئة وأهدافٍ متضاربة، لكنه انتهى بتعزيز روابط التجارة والاستثمار بين البلدين، في دلالة على مرونة المصالح السياسية والاقتصادية.

أكياس جثث في الكونغو”: اتهامٌ بمضمونٍ مغلوط

خلال اللقاء، الذي بُثّ جزء منه عبر شاشات التلفزيون، رفع ترامب نسخة مطبوعة من مقالٍ مصحوبٍ بصورة، قائلاً لرامابوسا: “هؤلاء جميعاً مزارعون بيض يتم دفنهم”. ثم استعرض فيديو آخر ونسخاً مطبوعة من مقالات تدعم زعمه بحدوث “إبادة جماعية” للمزارعين البيض، مُكرراً عبارة “موت، موت، موت، موت مروع”.

إلا أن الحقيقة التي كشفت عنها وكالة رويترز لاحقاً، هي أن الفيديو الذي استشهد به ترامب، والذي نُشر في 3 فبراير، يظهر عمال إغاثة يرفعون أكياس جثث في مدينة غوما بجمهورية الكونغو الديمقراطية.

وقد تم اقتطاع الصورة من لقطات نشرتها الوكالة في أعقاب معارك ضارية بين القوات الحكومية ومتمردي حركة 23 مارس المدعومة من رواندا.

أهداف ترامب: ضغط سياسي ومصالح زراعية

تأتي هذه الواقعة في سياق تدهور العلاقات بين واشنطن وبريتوريا مؤخراً، بعدما اتهمت الإدارة الأمريكية جنوب أفريقيا بانتهاج سياسات معادية لذوي البشرة البيضاء.

يُعتقد أن هدف ترامب الأساسي من هذا العرض المغلوط كان ممارسة ضغط مباشر ومحرج على الرئيس رامابوسا، لتسليط الضوء على قضية إصلاح نظام ملكية الأراضي الزراعية في جنوب أفريقيا.

فبعد 30 عاماً على نهاية الفصل العنصري، لا يزال أكثر من 70% من المزارع التجارية في يد الأقلية البيضاء، وهي قضية شائكة ومُحرك رئيسي للتوترات الاجتماعية والسياسية داخل جنوب أفريقيا. ترامب، بأسلوبه الصريح والمثير للجدل، سعى على ما يبدو إلى إحراج رامابوسا أمام الرأي العام المحلي والدولي، مُستخدماً ورقة “حقوق الأقلية البيضاء” لخدمة أجندته السياسية ومصالح فئات معينة داخل الولايات المتحدة.

رامابوسا: دبلوماسية "الامتصاص" وتحقيق المكاسب

على الرغم من الطبيعة الجدلية للاجتماع، الذي ذكّر بلقاء ترامب العاصف بنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إلا أن الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامابوسا بدا وكأنه قد اجتاز هذه العاصفة الدبلوماسية بنجاح. فبدلاً من الرد بحدة على اتهامات ترامب غير المدعومة، ركز رامابوسا وفريقه على أهداف الزيارة الأساسية: احتواء التوترات بين البلدين وتعزيز العلاقات الاقتصادية.

أعلنت رئاسة جنوب أفريقيا، في بيانٍ صدر أمس الخميس، أن زيارة رامابوسا إلى الولايات المتحدة كانت “ناجحة”.

وأشارت إلى أن الرئيسين “اتفقا على تعزيز الروابط التجارية الثنائية، وزيادة الاستثمارات ذات المنفعة المتبادلة، وتعزيز التعاون في التبادلات التكنولوجية”.

لم يُحرج رامابوسا بشكل يُعيق تحقيق أهدافه.

بل على العكس، أظهر قدرة على المناورة الدبلوماسية، مُحوّلاً الانتباه من الجدل إلى الفرص الاقتصادية.

ويُعتقد أن رئيس جنوب أفريقيا قد طرح خلال المحادثات إمكانية الاستثمار في قطاع المعادن الغني في بلاده، كجزء من سعي بلاده لجذب استثمارات تخدم التنمية المشتركة.

هذه الاستراتيجية تُبرهن على أن الدبلوماسية الفعالة لا تكمن دائماً في المواجهة المباشرة، بل في القدرة على توجيه الحوار نحو مسارات تخدم المصالح الوطنية، حتى في وجه المعلومات المغلوطة والضغوط غير التقليدية.

مصالح تتجاوز الجدل

يُقدم لقاء ترامب ورامابوسا مثالاً صارخاً على تعقيدات المشهد الدبلوماسي العالمي، حيث تتشابك الروايات، وتُستخدم المعلومات، أحياناً بشكل خاطئ، كأداة للتأثير.

ومع ذلك، تُظهر النتيجة أن المصالح الاقتصادية والاستراتيجية المشتركة غالباً ما تتجاوز الخلافات العلنية والجدل الدبلوماسي، لتُمهد الطريق نحو تعاونٍ قد لا يكون خالياً من التحديات، ولكنه ضروري للطرفين.

المزيد من الكاتب

اليوم 1183 للحرب: “صدمة ترامب” تهز الغرب.. مذكرة سلام روسية على الطاولة، وعقوبات بريطانية حاسمة في مواجهة انقسام الحلفاء

تصعيد وتخوف: المشهد الدراماتيكي بين روسيا وأوكرانيا وأوروبا.. ودهاء بوتين ورهانات ترامب الخفية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *