دراما السلام: ميلوني تطلق نداءً للمفاوضات "الجادة" في أوكرانيا.. هل تصيغ روما الفصل القادم للصراع؟
كييف، الدنمارك، الفاتيكان – 22 مايو 2025
في تصريح يحمل أبعاداً سياسية ودبلوماسية عميقة، ألقت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، بثقلها خلف دعوات لمفاوضات “جادة” لإنهاء الصراع في أوكرانيا، مُشددة على أن هذه المفاوضات يجب أن “تتجاوز التواريخ والأماكن”.
جاء ذلك في ختام قمة عقدتها مع رئيسة الوزراء الدنماركية ميت فريدريكسن، حيث أعربت ميلوني عن تقديرها للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي “لرغبته الواضحة في السعي نحو السلام”، في مقابل “لا خطوة إلى الأمام” من الجانب الروسي.
هذا التحرك الإيطالي، المتزامن مع تواصل ميلوني مع شخصيات عالمية مؤثرة مثل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والبابا، يُشير إلى محاولة روما لتشكيل دفعة دبلوماسية جديدة قد تُعيد خلط الأوراق على الساحة الدولية.
أهداف ميلوني: البحث عن دور محوري في ميزان السلام
تُشير تصريحات ميلوني إلى عدة أهداف استراتيجية تسعى إيطاليا ورئيستها لتحقيقها:
1-قيادة دفعة دبلوماسية للسلام: تسعى ميلوني لأن تلعب إيطاليا دوراً قيادياً في الدفع نحو حل سلمي للصراع، متجاوزة المواقف التقليدية التي تركز على الدعم العسكري لأوكرانيا فقط.
حديثها عن مفاوضات “جادة” و”شاملة” يُظهر رغبتها في التوصل إلى اتفاق سلام حقيقي لا مجرد هدنة مؤقتة.
2-تعزيز مكانة إيطاليا الدولية: من خلال هذه المبادرة، تُحاول ميلوني تعزيز نفوذ إيطاليا على الساحة الدبلوماسية الدولية، وتقديم نفسها كصانعة سلام محتملة.
إن تواصلها مع شخصيات مثل ترامب والبابا يُظهر سعيها لتعبئة شبكة واسعة من الفاعلين لدعم هذه الجهود.
3-التوفيق بين المواقف المختلفة: يُدرك موقف ميلوني الحاجة إلى إشراك أطراف متعددة، بما في ذلك الولايات المتحدة (خاصة مع تولي ترامب الرئاسة المحتمل)، والفاتيكان كجهة وسيطة محايدة.
هذا يشير إلى محاولة لتجاوز الخلافات المحتملة في الرؤى وجمع الأططراف على هدف مشترك.
4-الضغط على روسيا: من خلال التأكيد على أن كييف تُظهر “رغبة واضحة في السعي نحو السلام” وأن روسيا لم تتخذ “أي خطوات ملموسة”، تُمارس ميلوني ضغطاً دبلوماسياً غير مباشر على موسكو، وتُقدم سردية دولية تُلقي باللوم على الجانب الروسي في جمود المفاوضات.
5-تهيئة الظروف لمفاوضات فنية وسياسية: حديثها عن بدء المفاوضات على “المستوى الفني” ثم الانتقال إلى “المستوى السياسي” يعكس نهجاً عملياً، يُشير إلى استعداد إيطاليا لتقديم الدعم اللوجستي والدبلوماسي لهذه العملية.
التأثير الدولي: إعادة تشكيل الائتلافات وتقييم المواقف
سيكون لتصريح ميلوني تأثيرات دولية مهمة:
على التحالف الغربي (الناتو والاتحاد الأوروبي): يُمكن أن يُنظر إلى مبادرة ميلوني على أنها محاولة لتنسيق المواقف الغربية بشأن المفاوضات.
ترحيبها بالتواصل مع ترامب والبابا قد يُعزز فكرة وجود “مسار دبلوماسي” موازٍ للدعم العسكري، مما قد يؤثر على تماسك بعض الدول في موقفها الداعم لأوكرانيا بلا شروط.
على أوكرانيا: بينما تُشكر ميلوني زيلينسكي على رغبته في السلام، فإن الضغط من أجل مفاوضات “تتجاوز التواريخ والأماكن” قد يُثير بعض القلق في كييف، التي قد ترى في ذلك محاولة للتنازل عن بعض شروطها الأساسية، خاصة فيما يتعلق بالحدود والانسحاب الروسي.
على الولايات المتحدة (خاصة مع ترامب): يُظهر تصريح ميلوني أن ترامب، لا يزال يلعب دوراً مؤثراً في الدبلوماسية العالمية، ويؤكد على استعداده للانخراط في جهود الوساطة.
هذا قد يُشكل إشارة إيجابية لروسيا التي تفضل الإستمرار في التفاوض مع ترامب.
دور الفاتيكان: تأكيد ميلوني على “توفر الفاتيكان، وخاصة البابا” يُسلط الضوء على الدور المتزايد الذي يمكن أن يلعبه الفاتيكان كوسيط محايد، مما يُضيف بعداً أخلاقياً وروحياً للمفاوضات.
نظرة روسيا: بين الرفض الحازم والتكتيك الدبلوماسي
ستنظر روسيا إلى تصريح ميلوني بعينين مختلفتين:
الرفض العلني المتوقع: من المتوقع أن تُجدد روسيا رفضها لأي مفاوضات لا تأخذ في الاعتبار “الواقع على الأرض” (أي المكاسب الإقليمية التي حققتها)، ولأي وقف لإطلاق النار غير مشروط.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف صرح مؤخراً أن موسكو “لا تريد هذا بعد الآن” فيما يتعلق بوقف إطلاق النار، وأصر على حل “الأسباب الجذرية” للحرب أولاً.
الفرصة التكتيكية: في الوقت نفسه، قد ترى روسيا في هذه الدعوات فرصة تكتيكية لتقسيم الجبهة الغربية، وخاصة إذا كان هناك استعداد للحديث عن “المستوى الفني” قبل السياسي.
قد تُرحب موسكو بوجود شخصيات مثل ترامب أو الفاتيكان كوسيطين، مما قد يمنحها منصة لتقديم مطالبها بشكل غير مباشر أو لتبادل الاتهامات.
إعادة التأكيد على شروطها: من المرجح أن تُعيد روسيا تأكيد مطالبها القصوى، مثل الاعتراف بضم القرم والمناطق الأوكرانية الأربعة، أو مطالبة أوكرانيا بالحياد، كشروط لأي اتفاق سلام.
رد الفعل المتوقع: مسار وعر ينتظر ميلوني
نتوقع ردود فعل متباينة على تصريح ميلوني:
ترحيب حذر من بعض العواصم الغربية: قد تُرحب بعض الدول الأوروبية بهذه الدعوة إلى الدبلوماسية، خاصة تلك التي تُعاني من تبعات الحرب الاقتصادية والإنسانية، لكنها ستظل حذرة من أي تنازلات قد تضر بسيادة أوكرانيا.
رفض أوكراني لشروط مسبقة غير مقبولة: بينما يُرحب زيلينسكي بالسلام، فإنه سيُقاوم أي ضغط للتفاوض على شروط تُعتبر “استسلاماً”، خاصة بعد التضحيات الجسيمة التي قدمتها بلاده.
تشكيك من المتشددين: قد يُواجه باشاغا انتقادات من الجناح المتشدد في أوروبا والولايات المتحدة الذي يرى أن أي حديث عن المفاوضات قبل هزيمة روسيا عسكرياً هو “ضعف”.
تكتل روسي على مواقفه: ستستمر روسيا في إظهار تصلب في مواقفها، لكنها قد تستخدم هذه الفرصة لتقديم نفسها كطرف “مستعد للحوار” مع التركيز على “شروطها الأمنية”.
في الختام، يُشكل تصريح ميلوني محاولة جريئة لإعادة الزخم للمسار الدبلوماسي في صراع يبدو أن لا نهاية له.
إنها مقامرة سياسية تضع إيطاليا في صلب جهود السلام، لكنها تواجه تحديات هائلة في التوفيق بين مصالح الأطراف المتنازعة، وإيجاد أرضية مشتركة لمفاوضات حقيقية تُفضي إلى سلام “عادل ودائم” وليس مجرد وقف مؤقت لإطلاق النار.