السودان في عين العاصفة: البرهان يُعيد تشكيل “القيادة” والولايات المتحدة تطلق “اتهامات كيميائية” وسط معارك ضارية!

السودان في عين العاصفة: البرهان يُعيد تشكيل "القيادة" والولايات المتحدة تطلق "اتهامات كيميائية" وسط معارك ضارية!

الجمعة 23 مايو 2025، 16:30 بتوقيت ليبيا (14:30 بتوقيت غرينتش)

على مسرح السودان الملتهب، تتسارع وتيرة الأحداث وتتداخل الخيوط السياسية والعسكرية والإنسانية في مشهد درامي معقد.

فبينما يواصل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع صراعهما المرير على السلطة، يواجه رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، تحديات مضاعفة: ضغط دولي متزايد، وضرورة إعادة ترتيب أوراق الحكم، ومحاولات حاسمة لاستعادة زمام المبادرة على الأرض.

هذه التطورات الأخيرة تُعيد رسم خارطة الصراع، وتُلقي بظلالها على مستقبل السودان الذي يحبس أنفاسه.

“تزييف للحقائق” أم “تهديد جاد”؟ صراع الروايات حول الأسلحة الكيميائية

في تطور مفاجئ يُزيد من تعقيد المشهد، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عزمها فرض عقوبات على الحكومة السودانية، مدعيةً استخدامها أسلحة كيميائية خلال الحرب في عام 2024، في انتهاك صارخ للمعاهدات الدولية.

رد الفعل السوداني جاء حاسماً وسريعاً؛ فقد استنكر وزير الثقافة والإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة، خالد الأعيسر، هذه الخطوة، واصفاً إياها بـ”الابتزاز السياسي وتزييف الحقائق”.

يرى الأعيسر أن “الادعاءات الأميركية الأخيرة لا تستند إلى أي دليل، ولا تمت إلى الواقع بصلة”، مشيراً إلى أن “هذه الادعاءات الكاذبة استهدفت مجدداً القوات المسلحة السودانية، لاسيما بعد إنجازاتها الميدانية التي غيرت من واقع المعركة، وعقب تعيين رئيس للوزراء، وهو ما شكّل تطوراً مهماً في مسار إعادة بناء مؤسسات الدولة”.

تعتبر الخرطوم أن هذه “الرواية الكاذبة” محاولة جديدة لتضليل الرأي العام العالمي. فالخارجية الأميركية صرحت بأن العقوبات ستدخل حيز التنفيذ الشهر المقبل، وستشمل قيوداً على الصادرات الأميركية إلى السودان وعلى الوصول إلى خطوط الائتمان الحكومية الأميركية.

هذا التهديد، سواء كان مدعوماً بأدلة قوية أو لا، يُمثل ضغطاً إضافياً على حكومة البرهان في وقت حرج، وقد يُعقد جهودها للحصول على الدعم الدولي الضروري لإعادة الإعمار والاستقرار.

البرهان يُعيد تشكيل المشهد السياسي: تعيينات استراتيجية وأهداف متوقعة

في خضم هذه التحديات، اتخذ البرهان خطوات جريئة لإعادة ترتيب البيت الداخلي. في 18 مايو، أصدر مرسوماً رسمياً بتعيين “كامل إدريس عبد الحفيظ رئيساً لمجلس الوزراء في السودان، في خطوة تأتي بعد استقالة عبد الله حمدوك بأكثر من ثلاث سنوات.

هذا التعيين يهدف على ما يبدو إلى إضفاء شرعية مدنية على الحكومة التي يقودها الجيش، ومحاولة بناء جبهة داخلية موحدة في مواجهة قوات الدعم السريع.

ولم تتوقف التعينات عند هذا الحد. فقد أصدر البرهان مرسوماً آخر بتعيين كل من “سلمي عبد الجبار المبارك و**”نوارة أبومحمد محمد طار”** عضوين بمجلس السيادة السوداني. هذا الاختيار لامرأتين، وتحديداً من شرق ووسط السودان، يُعد خطوة تكتيكية مهمة.

يهدف البرهان من خلال هذه التعينات إلى:

توسيع قاعدة الدعم الشعبي: بضم شخصيات تمثل مناطق وشرائح مختلفة من المجتمع السوداني.

إظهار انفتاح على التنوع: ومحاولة بناء صورة حكومية أكثر شمولية.

دحض اتهامات الدعم السريع: التي تتهمه بالاستحواذ على السلطة وإقصاء المكونات المدنية.

على الجانب الآخر، وفي رد فعل متوقع، صرح مستشار قائد قوات الدعم السريع، حميدتي، بأن الدعم السريع ستشكل حكومة في مناطق نفوذها.

هذا التصريح يُؤكد أن الصراع ليس عسكرياً فقط، بل سياسياً بامتياز، ويُشير إلى احتمال تقسيم فعلي للسودان بين سلطتين متنافستين.

لهيب المعارك على الأرض: دارفور وبورتسودان في عين العاصفة

تستمر المأساة الإنسانية والعسكرية على الأرض في التصاعد، حيث تُعد دارفور وبورتسودان جبهتين رئيسيتين في هذه الحرب المدمرة:

شمال دارفور: صراع لا يتوقف وحرب أهلية بامتياز

أعلن حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، يوم الأحد أن الجيش السوداني سيطر على منطقة عطرون بصحراء شمال دارفور، مؤكداً أن العملية العسكرية كانت دقيقة ومنسقة بين “القوة المشتركة” والجيش، وأنهم “كبدوا الدعم السريع خسائر فادحة في الأرواح والعتاد”. واعتبر مناوي أن “النصر بات وشيكاً، وسنحتفل في كل الطرقات”.

هذا الإعلان يشير إلى تحول في موازين القوى في مناطق معينة بدارفور، وربما محاولة للجيش لاستعادة مناطق استراتيجية.

لكن الميدان يُقدم صورة أكثر قتامة. ففي مخيم أبوشوك للنازحين بالفاشر، أعلنت غرفة الطوارئ عن سقوط 14 قتيلاً بقصف مدفعي من قبل قوات الدعم السريع على سوق نيفاشا. وفي 9 مايو، أفادت منظمة إنقاذ بمقتل ما لا يقل عن 14 فرداً من عائلة واحدة في غارة جوية على مخيم للنازحين في دارفور، ملقية باللوم على الدعم السريع. المخيم، الذي يقع بالقرب من الفاشر، تعرض لقصف مكثف ومتكرر.

تُعد الفاشر ذات أهمية استراتيجية قصوى؛ فهي المدينة الرئيسية الوحيدة بإقليم دارفور التي لا تزال خارج سيطرة قوات الدعم السريع، مما يجعلها هدفاً عسكرياً رئيسياً لهجمات الدعم السريع التي تسعى لفرض سيطرتها الكاملة على الإقليم. هذا الوضع أدى إلى تحذيرات أممية من أن الوضع في مخيمات أبوشوك وزمزم كارثي، وأن المدنيين محاصرون.

بورتسودان: حرب المسيّرات تُهدد شريان الحياة

مدينة بورتسودان، التي اتخذتها الحكومة المرتبطة بالجيش مقراً لها، أصبحت هدفاً للهجمات المتواصلة.

أعلن الدفاع المدني السوداني، الأحد، السيطرة “تماماً” على الحرائق التي اندلعت في المستودعات النفطية الرئيسية ومواقع أخرى بالمدينة بعد استهدافها بمسيّرات.

هذه الهجمات، التي يتهم الجيش قوات الدعم السريع بشنها، استهدفت مرافق استراتيجية وحيوية مثل مستودعات الوقود، ومحطة الكهرباء التحويلية في عطبرة، وحتى قاعدة فلامينغو البحرية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن ولايتي نهر النيل والبحر الأحمر.

هذه الهجمات تُشكل تهديداً خطيراً على “شريان الحياة للعمليات الإنسانية” في السودان، حيث يُعتبر ميناء بورتسودان ومطارها المدني الدولي نقطة الدخول الرئيسية للمساعدات. إن استهداف هذه المرافق يُعقد بشكل كبير من جهود إيصال المساعدات الإنسانية في بلد يواجه “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”، مع نزوح أكثر من 14 مليون شخص ومقتل عشرات الآلاف.

تحليلات حول الموقف العسكري والمدني: مستقبل مجهول

يُشير الموقف العسكري الحالي إلى صراع استنزاف طويل الأمد. بينما يحقق الجيش السوداني بعض التقدم في مناطق مثل عطرون، ويُحاول تعزيز سيطرته على الفاشر، تُواصل قوات الدعم السريع هجماتها الممنهجة على المدنيين والمناطق الحيوية، خاصة في دارفور وبورتسودان.

استخدام المسيّرات يُغير من تكتيكات الحرب، ويُدخل بعداً جديداً للصراع، مما يزيد من صعوبة حماية المدنيين.

على الصعيد المدني، الأوضاع كارثية بكل المقاييس. الأزمة الإنسانية تتفاقم بسبب نقص المواد الغذائية والأدوية والنزوح الجماعي.

التحذيرات الأممية المتكررة بوقف إطلاق النار وتهدئة إنسانية لإيصال المساعدات تُقابل بآذان صماء على ما يبدو من قبل أطراف النزاع.

البرهان من خلال تعييناته الأخيرة، يهدف إلى تعزيز شرعية حكمه وإظهار صورة حكومة مدنية تدير البلاد، لكن هذا المسعى يواجه تحدياً كبيراً من قبل الدعم السريع الذي يُهدد بتشكيل حكومة موازية.

هذا يُنبئ بمرحلة جديدة من الصراع، قد تُقسّم السودان فعلياً إلى مناطق نفوذ متحاربة، وتُعمّق الأزمة الإنسانية في بلد يُعاني بالفعل من آلام الحرب المستمرة منذ أبريل 2023.

المزيد من الكاتب

نابولي على أعتاب المجد: نبض مدينة يحبس أنفاسه ليلة التتويج المنتظر!

شغف الرمال: قصة إصرار ليبي في قلب قرطاج

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *