دراما الدبلوماسية: ترامب يُبطئ العقوبات ويُطلق "الدرع الصاروخي".. الكرملين حذر، وكييف تتمسك بخطوطها الحمراء
نيويورك، سوتشي، كييف – 21 مايو 2025
في تصعيد دراماتيكي على مسرح الدبلوماسية العالمية، ألقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بظلاله على مسار الصراع الأوكراني الروسي، مُقللاً من أهمية العقوبات على موسكو ومُطلقاً مشروع “القبة الذهبية” للدرع الصاروخي بتكلفة 175 مليار دولار.
هذا التحرك، الذي جاء بالاتفاق مع وزير خارجيته ماركو روبيو، أعقبه مكالمة هاتفية مطولة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كشفت عن تباينات واضحة في الرؤى، لتضع العالم أمام مشهد من الفعل ورد الفعل السياسي المعقد، حيث لا يزال “الشيطان يكمن في التفاصيل”.
الفعل الأمريكي: تباطؤ العقوبات وإطلاق الدرع الصاروخي
يُشير تصريح ترامب حول العقوبات (“سنرى”) وموافقة روبيو على أنها “غير منتجة”، إلى تحول محتمل في السياسة الأمريكية تجاه روسيا، أو على الأقل محاولة لإعادة تقييم فعاليتها.
هذا التراجع عن التشدد في العقوبات قد يُنظر إليه كبادرة حسن نية تجاه موسكو، أو كجزء من استراتيجية أوسع لفتح قنوات للمفاوضات دون ضغوط مسبقة.

في المقابل، يُعد إطلاق مشروع الدرع الصاروخي الأمريكي، المستوحى من فكرة رونالد ريغان القديمة، بمثابة رسالة ردع قوية وإنفاق ضخم يُعيد تشكيل موازين القوى الدفاعية.
هذا المشروع، بتكلفته البالغة 175 مليار دولار، يُشير إلى أن الولايات المتحدة، حتى وهي تبحث عن حلول دبلوماسية، لا تتنازل عن تعزيز قدراتها الدفاعية في مواجهة التهديدات المحتملة، بما في ذلك التهديد الصاروخي الروسي.
إنه توازن دقيق بين الدبلوماسية والقوة العسكرية، وقد يكون محاولة من ترامب لتقديم “حل قوي” للسلام لا يعتمد فقط على التنازلات.
رد الفعل الروسي: حذر الكرملين وتثبيت الشروط
تُقابل نبرة ترامب المتفائلة بلهجة أكثر حذراً من الكرملين، حيث يُصر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مذكرة تفاهم بين كييف وموسكو قبل أي وقف لإطلاق نار محتمل.
يُشير المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إلى أن “الشيطان يكمن في التفاصيل”، ما يُعكس عمق التعقيدات التي تكتنف أي اتفاق سلام.
كسب الوقت وتثبيت المكاسب: يبدو أن بوتين يسعى لكسب الوقت والمضي قدماً في الحرب، من خلال ربط وقف إطلاق النار بمذكرة تفاهم تعالج “القضايا الأساسية” لروسيا.

وتشمل هذه القضايا الحساسة رفض انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، وتحديد وضع شبه جزيرة القرم والمناطق الأربع التي ضمتها روسيا (دونيتسك، لوغانسك، خيرسون، وزابوريزهيا).
هذه الشروط تعكس الأهداف الاستراتيجية الروسية المعلنة، وتُظهر أن موسكو لن تتراجع عنها بسهولة.
غموض زمني: تصريح بوتين بأن وقف إطلاق النار “ليس الآن وليس بعد 30 يوما” يُبقي على حالة عدم اليقين ويُعطي روسيا مساحة للمناورة العسكرية على الأرض، ويُقلل من الضغط الفوري عليها.
التعامل الانتقائي مع الوسطاء: بينما يُشكر الكرملين “كل أولئك الذين يعملون على بناء طريق للسلام”، فإن تصريح بيسكوف بأن “القضية (الفاتيكان) لم تتم مناقشتها بالتفصيل في المكالمة الهاتفية” يُظهر أن موسكو تتعامل بحذر مع عروض الوساطة، وتُبقي الخيارات مفتوحة وفقاً لمصالحها.
القراءة الأوكرانية: ترحيب مشروط وتأكيد للسيادة
من جانبه، يُظهر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مرونة حذرة، حيث أكد استعداده لدراسة العرض الروسي بشأن مذكرة تفاهم محتملة. ومع ذلك، يُشدد زيلينسكي على خطوط حمراء واضحة، مؤكداً أن كييف “لن تنسحب من المناطق الخاضعة لسيطرتها” في إشارة إلى المناطق الأربع التي تحتلها روسيا.

البحث عن اختراق: تواصل ترامب غير المتوقع مع زيلينسكي حتى قبل مكالمته مع بوتين، يُظهر رغبة أمريكية في بناء الثقة مع كييف، وربما كان يهدف لتهيئة الأجواء لإحراز تقدم.
رفض التنازل عن السيادة: يُعبر موقف زيلينسكي عن تمسك أوكرانيا بسيادتها ووحدة أراضيها، وهو ما يُعد نقطة خلاف رئيسية مع الشروط الروسية.
الحصيلة: نصف اتفاق أم نصف خدعة؟
يُشير التباين في نبرة ومحتوى المكالمة الهاتفية بين ترامب وبوتين إلى أن ما تحقق هو على الأرجح “نصف اتفاق” وليس اختراقاً كاملاً. فبينما يرى ترامب “خطوة صغيرة إلى الأمام” بعد محادثات إسطنبول، يُبقي بوتين على شروطه الأساسية ويُظهر حذراً في التوقيت والآليات.
يبدو أن الولايات المتحدة، بقيادة ترامب، مستعدة للتفاوض على “شروط” الصراع بين الطرفين مباشرة، في ما يُنظر إليه من بعض المراقبين كخطوة للوراء من جانب واشنطن، إذ تترك التفاصيل للطرفين المتحاربين.

هذه “الدراما السياسية” تُظهر مشهداً عالمياً معقداً، حيث تتشابك المصالح الوطنية مع الضغوط الدولية، وحيث يُسعى إلى السلام مع الحفاظ على القوة والمكاسب.
هل ستُثمر هذه “الخطوات الصغيرة” عن “اتفاق سلام شامل”، أم أنها مجرد تكتيكات جديدة في صراع طويل؟
الأيام القادمة، وتفاصيل المفاوضات على “المستوى الفني”، ستحمل الإجابة.