المنفي يلتقي أعيان وحكماء سوق الجمعة والمنطقة الغربية: محاولة لاحتواء الغضب الشعبي وتهدئة الشارع
طرابلس، ليبيا – 22 مايو 2025
في خطوة تكتيكية تهدف إلى رأب الصدع واحتواء حالة الغضب الشعبي المتصاعد في العاصمة طرابلس ومناطق غرب ليبيا، استقبل رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، اليوم الخميس، وفداً مهماً من أعيان وحكماء منطقة سوق الجمعة والنواحي الأربعة والمنطقة الغربية. يأتي هذا اللقاء في ظل دعوات صريحة، كتلك الصادرة عن المجلس الاجتماعي سوق الجمعة نفسه، للمشاركة في مظاهرات حاشدة تطالب بإسقاط الحكومة وتغيير الأجسام السياسية، مما يجعل هذا الاجتماع بمثابة محاولة مباشرة لامتصاص الاحتقان وفتح قنوات الحوار مع قواعد شعبية غاضبة.
ماذا يحاول المنفي أن يفعله؟ استراتيجية “احتواء” الغضب الشعبي
يبدو أن رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، يسعى من خلال هذا اللقاء إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية ضمن استراتيجية أوسع لتهدئة الأوضاع:

1- امتصاص الغضب الشعبي وفتح قنوات الحوار: يأتي اللقاء مع أعيان وحكماء مناطق تشهد حراكاً شعبياً نشطاً (مثل سوق الجمعة) ليؤكد على أن المنفي يحاول التواصل مباشرة مع ممثلي هذه المناطق.
هذه الخطوة تهدف إلى احتواء السخط المتنامي وإيجاد حلول بديلة للتصعيد في الشارع، وتُظهر محاولة لتهدئة المتظاهرين أو على الأقل فهم مطالبهم بشكل مباشر.
2- تأكيد التزامه بالتهدئة وحماية المدنيين: أشار المنفي إلى “الالتزام الثابت بخيار التهدئة وتغليب لغة الحوار” وأعرب عن “أسفه البالغ لسقوط الضحايا”، مؤكداً أن “الدولة لن تدخر جهداً في ملاحقة المتسببين في زعزعة الأمن والاستقرار”.
هذه التصريحات تهدف إلى طمأنة السكان الغاضبين بأن السلطة تسعى للتعامل مع الوضع بحكمة ومسؤولية، وأن حماية المدنيين هي أولوية قصوى.
3-إعادة فرض سلطة الدولة ونبذ العنف: بصفته “القائد الأعلى للجيش الليبي”، أكد المنفي أن “القيادة السياسية والعسكرية تتحرك بخطى ثابتة لضبط الأوضاع وفرض سلطة الدولة، مشدداً على أن لغة السلاح لن تكون وسيلة لحل الخلافات”.
هذه الرسالة موجهة لكل الأطراف، سواء تلك المتورطة في اشتباكات أمنية أو تلك التي قد تفكر في استخدام العنف في الاحتجاجات، وتُعزز من دور المجلس الرئاسي كسلطة عليا تسعى لاستعادة الأمن.
4-تفعيل الترتيبات الأمنية ودعم رئيس الأركان: ذكّر المنفي بإصدار المجلس الرئاسي القرار رقم (2) لسنة 2025 بشأن تثبيت وقف إطلاق النار وتفعيل الترتيبات الأمنية، بإشراف مباشر من رئيس الأركان العامة، فريق أول ركن محمد الحداد.
هذا يُشير إلى أن المنفي يعمل على تفعيل الأطر الرسمية لحفظ الأمن ويمنح صلاحيات واضحة لرئيس الأركان، مما يهدف إلى إضفاء الشرعية على الإجراءات الأمنية ويُبعدها عن أي تصورات للانحياز.

تأثير اللقاء وأهميته في ظل الغضب الشعبي
يحمل هذا اللقاء أهمية قصوى في السياق الراهن، خاصة مع الدعوات الصادرة من المجلس الاجتماعي سوق الجمعة والتهديدات بالتصعيد:
امتصاص مباشر للاحتقان: استقبال ممثلي المناطق الغاضبة يُعد محاولة مباشرة لامتصاص الاحتقان وتقليل احتمالية التصعيد. قد يسهم هذا اللقاء في تخفيف حدة الخطاب من جانب بعض الأطراف، خاصة وأن وفد الأعيان والحكماء “ثمن الجهود الحثيثة” للمنفي وعبر عن “دعمهم الكامل”.
بناء جسور الثقة: يمثل اللقاء فرصة للمنفي لبناء جسور من الثقة مع القواعد الشعبية، خاصة بعد الأحداث المؤسفة التي شهدتها طرابلس. حديثه عن ملاحقة المتسببين في زعزعة الأمن يهدف إلى استعادة ثقة المواطنين في قدرة الدولة على حمايتهم.
دعم المجلس الرئاسي ككيان جامع: في ظل الانقسامات السياسية، يسعى المنفي لتعزيز دور المجلس الرئاسي ككيان جامع قادر على التفاعل مع مختلف الأطراف الليبية، بمن فيهم ممثلو المناطق الشعبية، مما يعزز من شرعيته ودوره كقائد أعلى للدولة.
رسالة للحكومة والأطراف الأخرى: قد يُنظر إلى هذا اللقاء على أنه ضغط غير مباشر على حكومة الوحدة الوطنية للتعامل بجدية أكبر مع مطالب المحتجين، والبحث عن حلول جذرية للاضطرابات. كما يرسل رسالة واضحة لكل من يفكر في استخدام العنف بأن السلطة عازمة على فرض سيادتها.
في المجمل، يُعد لقاء المنفي مع أعيان وحكماء سوق الجمعة والمنطقة الغربية خطوة استراتيجية تهدف إلى تهدئة الشارع الغاضب، وإعادة التأكيد على سلطة الدولة، ومحاولة توجيه المطالب الشعبية نحو الحوار بدلاً من التصعيد، وذلك في محاولة للحفاظ على استقرار العاصمة في هذه المرحلة الدقيقة.