“مذكرة التوقيف” الملغومة: قراءة تحليلية في رسالة الداخلية “المزورة” وتداعياتها على الاستقرار الهش في طرابلس

"مذكرة التوقيف" الملغومة: قراءة تحليلية في رسالة الداخلية "المزورة" وتداعياتها على الاستقرار الهش في طرابلس

في خضم التوترات الأمنية المتصاعدة التي تشهدها العاصمة الليبية طرابلس، فاجأت وزارة الداخلية حكومة الوحدة الوطنية الرأي العام ببيان رسمي عبر صفحتها على فيسبوك في الرابع عشر من مايو 2025، تنفي فيه صحة رسالة متداولة على نطاق واسع.

الرسالة “المزورة”، التي حملت رقماً إشارياً وتاريخاً مزعوماً وتوقيع وزير الداخلية المكلف اللواء عماد مصطفي الطرالسي، تضمنت أوامر “عاجلة جداً” لمدراء الأمن في مناطق واسعة من البلاد بإلقاء القبض على منتسبي جهاز “دعم الاستقرار” والتحفظ على آلياتهم وأسلحتهم، بدعوى تورط الجهاز في أعمال تهدد الأمن العام.

هذا النفي الرسمي، بدلاً من أن يضع حداً للجدل، فتح الباب واسعاً أمام التساؤلات حول دوافع تداول هذه الرسالة في هذا التوقيت الحساس، وما إذا كانت تعكس صراعاً خفياً داخل الأجهزة الأمنية أو محاولة لزعزعة الاستقرار الهش في العاصمة. بالنظر إلى مضمون الرسالة “المزورة” نفسها (بافتراض صحتها للحظة التحليل)، يمكن استخلاص عدة دلالات وتداعيات محتملة.

أولًا، يثير التوزيع الجغرافي للأوامر الواردة في الرسالة علامات استفهام كبيرة، فالأوامر الموجهة لمدراء الأمن شملت مناطق في الغرب الليبي والوسط، مع استثناء واضح للمناطق الشرقية والجنوبية، بالإضافة إلى مناطق في الغرب تخضع حالياً لقوى مناوئة مثل الزاوية والعجيلات وورشفانة.

هذا الاستثناء الإقليمي قد يشير إلى أجندة محددة أو قيود عملية على قدرة تنفيذ مثل هذه الأوامر في جميع أنحاء البلاد، مما يطرح تساؤلات حول مدى شمولية الرؤية الأمنية للحكومة وقدرتها على فرض القانون على الجميع.

ثانيًا، طريقة توصيف جهاز “دعم الاستقرار” بعبارة “ما يعرف بجهاز دعم الاستقرار” في رسالة رسمية مزعومة صادرة عن وزارة الداخلية أمر لافت.

هذا الجهاز، الذي تأسس بقرار رسمي من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني قبل خمس سنوات، وسبق لوزارة الداخلية التعامل معه، يستحق توصيفاً أكثر رسمية.

هذا التوصيف المتحفظ قد يعكس محاولة للتقليل من شأن الجهاز أو عزله، خاصة بعد مقتل رئيسه مؤخراً، مما يثير الشكوك حول النوايا الكامنة وراء هذه الحملة الإعلامية المضادة.

ثالثًا، تبرز مسألة الأسس القانونية لعمليات القبض الجماعية الواردة في الرسالة، فبافتراض صحة الأوامر، كيف سيتم تحديد العناصر “المتورطة”؟

وما هي الضمانات القانونية التي ستُمنح للمنتسبين المسالمين والملتزمين بتعليمات قيادتهم؟

إن أي عملية اعتقالات عشوائية قد تؤدي إلى ردود فعل سلبية وتزيد من حالة الاحتقان، بل وقد تدفع أفراد الجهاز إلى التكتل في قوى معادية.

رابعاً، لا يمكن تجاهل ردود فعل التشكيلات المسلحة الأخرى في ليبيا تجاه مثل هذه الإجراءات، إن استهداف جهاز بحجم ونفوذ “دعم الاستقرار” قد يُنظر إليه كسابقة خطيرة، مما يدفع التشكيلات الأخرى إلى إعادة تقييم تحالفاتها وولاءاتها، وربما تشكيل جبهة موحدة ضد أي محاولة مماثلة في المستقبل.

خامساً، يكتنف الغموض عبارة “التنسيق مع الجهات الامنية والعسكرية ذات العلاقة” الواردة في الرسالة، عدم تحديد هذه الجهات بوضوح يثير تساؤلات حول مدى التنسيق الفعلي بين الأجهزة الأمنية المختلفة، ويفتح الباب أمام احتمالات سوء التنفيذ أو الاحتكاكات غير الضرورية.

في سياق أوسع، يذكرنا هذا الجدل بالتعاملات الأمنية المتوترة التي شهدتها ليبيا على مر التاريخ، والتي غالباً ما أدت إلى نتائج عكسية وزادت من حالة عدم الاستقرار.

إن استحضار الماضي يُظهر أهمية اتباع نهج حكيم وشامل في معالجة ملف التشكيلات المسلحة، بدلاً من القرارات الانفرادية التي قد تؤدي إلى مزيد من الانقسام.

أما بالنسبة لنفي وزارة الداخلية للرسالة، فإنه يطرح بدوره عدة تساؤلات، من المستفيد من ترويج مثل هذه الرسالة “المزورة” في هذا التوقيت الحساس؟

هل هناك أطراف تسعى لزعزعة الثقة في الحكومة أو إشعال فتنة بين الأجهزة الأمنية؟

إن نفي الوزارة العلني قد يكون محاولة لاحتواء الضرر المحتمل للرسالة على الرأي العام وعلى علاقة الحكومة بجهاز دعم الاستقرار والقوى الأخرى.

كما يمكن أن يعكس وجود صراع خفي داخل الأجهزة الأمنية حول كيفية التعامل مع هذا الملف الشائك.

التداعيات المحتملة لهذا الجدل كبيرة. فبينما تسعى حكومة الوحدة الوطنية لفرض هيبة الدولة، فإن مثل هذه “المذكرات الملغومة” قد تؤدي إلى نتائج عكسية، وتزيد من حالة التوتر والاحتقان في العاصمة.

إن رد فعل منتسبي جهاز دعم الاستقرار، الذين يشعرون بالتهديد والاتهام، سيكون حاسماً في تحديد مسار الأحداث.

كما أن تعامل الحكومة مع هذا الموقف سيختبر قدرتها على الحكمة والاحتواء، وعلى اتباع نهج قانوني وشفاف يعزز الثقة بدلاً من تأجيج الصراعات.

قوة الاستقرار” في مهب الريح: جدل “المذكرة المزورة” يهدد مستقبل جهاز محوري في أمن طرابلس

في خضم التوترات الأمنية المتصاعدة التي تخيم على العاصمة الليبية طرابلس، فجّرت وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية مفاجأة من العيار الثقيل بإعلانها عبر منصتها الرسمية في الرابع عشر من مايو 2025، عن تداول رسالة “مزورة” تحمل ختمها وتوقيع وزيرها المكلف، اللواء عماد مصطفي الطرالسي.

هذه الرسالة المزعومة تضمنت أوامر “عاجلة جداً” لمدراء الأمن في مناطق واسعة من البلاد تقضي بإلقاء القبض على منتسبي جهاز “دعم الاستقرار” والتحفظ على آلياتهم وأسلحتهم، مستندة إلى ادعاءات بتورط الجهاز في أعمال تهدد الأمن العام.

هذا النفي الرسمي، بدلًا من أن ينهي حالة الجدل والترقب، فتح الباب واسعًا أمام سلسلة من التساؤلات العميقة حول دوافع تداول هذه “المذكرة الملغومة” في هذا التوقيت بالغ الحساسية، وما إذا كانت تعكس صراعاً خفياً يتصاعد تحت السطح داخل الأجهزة الأمنية المتنافسة، أو محاولة مُبيتة لزعزعة الاستقرار الهش الذي بالكاد تتماسك به العاصمة.

بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية لجهاز “دعم الاستقرار” في المشهد الأمني بطرابلس، والذي اضطلع بدور محوري في تعزيز الإجراءات الأمنية وحماية المقرات الرسمية والمشاركة في العمليات القتالية ومكافحة الشغب منذ تأسيسه بقرار رسمي، فإن استهدافه بمثل هذه الشائعات والاتهامات يثير قلقاً بالغاً.

تشير التحليلات الأولية إلى احتمالية وجود أجندات خفية تحركها قوى تسعى لتقويض نفوذ الجهاز، أو إعادة رسم خرائط النفوذ الأمني في العاصمة بما يخدم مصالحها.

فتوقيت تداول هذه الرسالة “المزورة”، الذي يتزامن مع قرارات حكومية طموحة لإعادة الهيكلة الأمنية وتصاعد حدة التوترات بين مختلف التشكيلات المسلحة، يُرجح فرضية وجود محاولة لعرقلة هذه الجهود أو استغلال حالة الارتباك والفوضى لتعزيز مواقع فصائل معينة داخل الأجهزة الأمنية أو قوى سياسية نافذة.

على صعيد الرأي العام في طرابلس والمجتمع الليبي عمومًا، فقد استقبل هذا الجدل بمزيج من الترقب والقلق العميق.

يخشى السكان من تداعيات أي مواجهة محتملة بين الأجهزة الأمنية، وما يمكن أن يترتب عليها من فوضى وعنف يهدد حياتهم اليومية.

وقد ساهم الانتشار السريع لهذه الرسالة عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في تأجيج حالة الارتباك وتضارب الأنباء بين الجمهور.

ففي ظل غياب المعلومات الرسمية الموثوقة، انتشرت تفسيرات وتأويلات مختلفة لمحتوى الرسالة ودوافع تداولها، مما زاد من حالة القلق والغموض المحيطة بالوضع الأمني في العاصمة.

كما أن ردود الفعل المتباينة على نفي وزارة الداخلية، بين مؤيد ومشكك، عكست حالة من فقدان الثقة في مصداقية المعلومات المتداولة، وتأثير ذلك على تصورات الرأي العام. كما أن فقدان الثقة المتزايد في المؤسسات الرسمية قد يتعمق بشكل خطير إذا لم يتم التعامل مع هذا الملف بحكمة وشفافية ومسؤولية كاملة، وتقديم الحقائق للجمهور من مصادر موثوقة.

وبالنظر إلى السيناريوهات المستقبلية المحتملة، فإن استمرار حالة الغموض والاتهامات المتبادلة التي تحيط بجهاز “دعم الاستقرار” قد تدفعه نحو مزيد من الانغلاق على ذاته، أو حتى البحث عن تحالفات جديدة مع قوى أخرى للحفاظ على وجوده ونفوذه في ظل التهديدات المتزايدة.

وفي المقابل، فإن تبني حكومة الوحدة الوطنية لنهج حكيم وعقلاني يقوم على الحوار الجاد والاحتواء المدروس، مع الإسراع في محاسبة الخارجين عن القانون من أفراد الجهاز بشكل فردي وعلني استناداً إلى أدلة قاطعة وإجراءات قضائية نزيهة، بالتوازي مع تقديم ضمانات واضحة وموثوقة لبقية المنتسبين الذين لم يثبت تورطهم في أي مخالفات، يمثل المسار الأكثر أماناً لتجنب انزلاق العاصمة إلى مزيد من التصعيد والعنف والفوضى.

إن التعامل الاستراتيجي مع هذه اللحظة الحرجة يستدعي تدخلاً عاجلاً من المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، وبدعم استشاري فاعل من المجلس الأعلى للدولة، لتقديم حلول واضحة وشاملة تضمن احتواء جهاز “دعم الاستقرار” ودمجه بشكل إيجابي في المنظومة الأمنية للدولة، مع محاسبة الخارجين عن القانون دون وصم الجهاز بأكمله. إن الحكمة والتعقل والشفافية في معالجة هذا الملف الحساس هي الضمانة الوحيدة لتحقيق الاستقرار المستدام وحماية النسيج الاجتماعي الهش في ليبيا.

إن الحكمة والتعقل والشفافية في معالجة هذا الملف الحساس، إلى جانب تقديم الحقائق للرأي العام من مصادر موثوقة، يمثل الضمانة الوحيدة لتحقيق الاستقرار المستدام وحماية النسيج الاجتماعي الهش في ليبيا.

ختاماً، تكشف تداعيات رسالة وزارة الداخلية ‘المزورة’ عن عمق التحديات الأمنية والسياسية التي تواجه طرابلس، وتؤكد على مسؤولية المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، بدعم من المجلس الأعلى للدولة، في تبني رؤية استباقية وحكيمة.

إن احتواء وضع جهاز دعم الاستقرار ومنتسبيه من خلال توفير ضمانات أمنية وقانونية واضحة، يمثل صمام أمان يحول دون انزلاق العاصمة إلى مزيد من الفوضى.

وبالموازاة مع ذلك، فإن تطبيق القانون بحزم على العناصر المنفلتة يسهم في تعزيز الثقة في المؤسسات وإنهاء حالة الإفلات من العقاب.

إن التعامل الاحترافي والدقيق مع هذه اللحظة الحرجة، بعيداً عن لغة التصعيد والانتقام، هو الكفيل بتحقيق الاستقرار المستدام وحماية النسيج الاجتماعي في ليبيا.

المزيد من الكاتب

طرابلس: بيانات متضاربة و”وحدات محايدة” تكشف عمق الأزمة الأمنية في أعقاب قرارات الدبيبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *