الدبيبة يواجه عاصفة في طرابلس: قرارات “تاريخية” لإعادة الهيكلة الأمنية تصطدم بتحركات عسكرية مفاجئة ورفض شعبي وسط تعليق شامل للدراسة

في يوم حاسم شهده الرابع عشر من مايو 2025، أطلق رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبد الحميد الدبيبة، سلسلة من القرارات الجذرية التي تستهدف إعادة رسم الخريطة الأمنية للعاصمة طرابلس.

تأتي هذه الإجراءات الصارمة تحت شعار “فرض هيبة الدولة وبسط سلطة القانون”، مؤكدة على عزم الحكومة على إنهاء حقبة الفوضى والتجاوزات، وحصر المهام الأمنية في المؤسسات النظامية للدولة، وعلى رأسها الشرطة والأجهزة القضائية المختصة.

إلا أن هذه القرارات، التي طال انتظارها، سرعان ما واجهت تحديات جمة وتطورات متسارعة على الأرض.

فبينما كانت الحكومة تعلن عن رؤيتها لإعادة هيكلة شاملة، شهدت العاصمة تحركات عسكرية مفاجئة وسيطرة مؤقتة لقوات اللواء 444 على مواقع استراتيجية، بالإضافة إلى رفض شعبي قوي لهذه القرارات تجسد في بيان صادر عن مكونات منطقة سوق الجمعة.

وقد أدت هذه التطورات المتلاحقة إلى تعليق شامل للدراسة في طرابلس الكبرى، مما يعكس مدى هشاشة الوضع وتأثيره المباشر على حياة المدنيين.

نص القرارات وتحليلها المعمق في ظل المستجدات:

1- تعديل هيكلية وزارة الداخلية وحل جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية:

نص القرار: “رئيس الوزراء، عبدالحميد الدبيبة، يصدر قرارا بتعديل هيكلة وزارة الداخلية، وحل جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية.”

كما تم استحداث “الإدارة العامة لمكافحة الهجرة غير الشرعية” ضمن هيكلية الوزارة.

التحليل في ظل المستجدات: يظل هذا القرار يمثل خطوة استراتيجية نحو مركزية إدارة ملف الهجرة.

ومع ذلك، فإن التوقيت الحساس لهذا القرار، الذي يتزامن مع حالة من الاحتقان الأمني، قد يعيق تنفيذه الفعال.

ففي ظل التوترات والتحركات العسكرية، يصبح نقل الأصول والعناصر الأمنية والإدارية للجهاز المنحل إلى الوزارة أكثر تعقيداً ويستدعي حذراً وتنسيقاً كبيرين لتجنب أي فراغ أمني أو اشتباكات.

2- إلغاء “قوة النواصي“:

نص القرار: “أصدر الدبيبة قراراً بإلغاء (الإدارة العامة لمكافحة الأنشطة المضادة والأفعال الإجرامية) المعروفة بـ النواصي، من هيكل وزارة الداخلية التنظيميّ.

وألزم الداخلية بتوزيع عناصر الإدارة ومعداتها وإنفاذ القرار.”

التحليل في ظل المستجدات: قرار إلغاء “قوة النواصي”، التي كانت تعتبر من التشكيلات الأمنية ذات النفوذ، يكتسب دلالات أعمق في ضوء التطورات الأخيرة.

فمن الممكن أن يكون هذا القرار أحد الأسباب المباشرة أو غير المباشرة للتحركات العسكرية التي شهدتها العاصمة.

فتوزيع عناصر ومعدات هذه القوة على باقي وحدات وزارة الداخلية قد يواجه مقاومة أو استغلالاً للفوضى الأمنية الحالية من قبل أطراف تسعى لتعزيز نفوذها.

3-نقل تبعية هيئة أمن المرافق والمنشآت إلى وزارة الداخلية:

نص القرار: “قرار رقم 328 لسنة 2025 م بنقل تبعية هيئة أمن المرافق والمنشآت إلى وزارة الداخلية.”

التحليل في ظل المستجدات: يظل الهدف من هذا القرار هو تعزيز سلطة وزارة الداخلية على تأمين البنية التحتية الحيوية.

إلا أن السيطرة المؤقتة للواء 444 على ميناء طرابلس البحري، وهو من ضمن المرافق التي من المفترض أن تؤمنها هذه الهيئة، يبرز التحديات العملية التي تواجه تنفيذ هذا القرار في ظل غياب الاستقرار الأمني.

4- إلغاء إدارة العمليات والأمن القضائي من الهيكل التنظيمي للشرطة القضائية:

التحليل في ظل المستجدات: يهدف هذا القرار إلى تركيز المهام الأمنية في يد وزارة الداخلية وتعزيز استقلالية الشرطة القضائية.

إلا أن حالة عدم الاستقرار الأمني الحالية قد تعيق قدرة الشرطة القضائية على الاضطلاع بمهامها بشكل كامل وفعال.

5- تكليف قيادات جديدة لجهاز الأمن الداخلي:

نص القرار: “قرار رقم 228 لسنة 2025 م بشأن تكليف بمهام.

مادة 1: يكلف عميد مصطفى علي الوحيشي رئيساً لجهاز الأمن الداخلي.

مادة 2: يكلف رائد علی محمود احمد ابوزيان نائباً لرئيس جهاز الأمن الداخلي.”

التحليل في ظل المستجدات: يمثل تكليف العميد مصطفى الوحيشي، المعروف بخبرته، تحولاً هاماً.

إلا أن التحدي الأكبر للقيادة الجديدة يكمن في فرض سلطتها وتوجيه الجهاز في ظل حالة الانقسام والتوتر الأمني الحالية.

فتراجع اللواء 444 بعد سيطرته على مواقع حساسة قد يشير إلى وجود صراعات داخلية أو مقاومة للتغييرات القيادية الجديدة.

6- تشكيل لجنة طارئة لمتابعة أوضاع السجون ومراكز التوقيف:

نص القرار: “قرار رقم 226 لسنة 2025 م بشأن تشكيل لجنة طارئة لمتابعة أوضاع السجون ومراكز التوقيف…”

التحليل في ظل المستجدات: يعكس تشكيل هذه اللجنة اهتمام الحكومة بمعالجة ملف السجون. إلا أن سيطرة اللواء 444 المؤقتة على بعض السجون تثير تساؤلات حول مدى قدرة اللجنة على الوصول إلى جميع المراكز وتقييم الأوضاع بشكل دقيق في ظل هذه الظروف الأمنية المتقلبة.

كما أن المهلة المحددة بسبعة أيام لتقديم تقرير قد تكون غير كافية في ظل هذه التطورات.

الاجتماع الأمني رفيع المستوى وتداعياته في ظل الأحداث:

الاجتماع الأمني الذي ترأسه الدبيبة كان يهدف إلى تأكيد التوجهات الجديدة للحكومة.

إلا أن التطورات اللاحقة، بما في ذلك سيطرة اللواء 444 ثم تراجعه، تظهر أن الرسائل القوية التي تم توجيهها قد لا تكون كافية لفرض الأمر الواقع على الأرض في ظل وجود قوى أمنية نافذة قد لا تلتزم بشكل كامل برؤية الحكومة.

التداعيات المحتملة وانعكاساتها في ضوء المستجدات:

مقاومة متزايدة: من المرجح أن تواجه الحكومة مقاومة أكبر من بعض الأجهزة الأمنية والكيانات المسلحة التي ترى في هذه القرارات تهديداً لنفوذها ومصالحها، كما تجلى في التحركات العسكرية الأخيرة.

تأثير مضاعف على السجون: قد يؤدي التصعيد الأمني إلى تفاقم الأوضاع غير الإنسانية في السجون ومراكز التوقيف، خاصة إذا استمرت حالة عدم الاستقرار.

تأثير أوسع على المشهد الأمني: قد تشجع الأحداث في طرابلس أطرافاً أخرى في مناطق مختلفة من ليبيا على مقاومة أي محاولات لفرض سلطة مركزية موحدة.

تأثير سلبي على الاستقرار العام: يقوض هذا التصعيد الأمني جهود تحقيق الاستقرار في البلاد ويزيد من حالة عدم اليقين والقلق لدى المواطنين.

تحليل تاريخي لتشظي المشهد الأمني ودروس مستفادة في ظل الأزمة الحالية:

إن فهم الخلفية التاريخية لظهور الأجهزة الأمنية الموازية يصبح أكثر أهمية في ظل هذه الأزمة.

كما أن استعراض تجارب دولية في إعادة الهيكلة الأمنية يمكن أن يوفر رؤى حول كيفية التعامل مع المقاومة المحتملة وأهمية وجود رؤية استراتيجية واضحة وعملية دمج تدريجية وشاملة.

بيان مكونات سوق الجمعة: صوت معارض قوي:

يمثل البيان الصادر عن مكونات سوق الجمعة تطوراً هاماً يكشف عن وجود معارضة شعبية وسياسية للنهج الذي تتبعه الحكومة في معالجة الملف الأمني.

فالتحذيرات من “الاستهداف الانتقائي” والمطالبة بقرارات شاملة تعكس مخاوف حقيقية من تهميش مناطق معينة وتأجيج الصراعات الداخلية.

تراجع اللواء 444: هل هي نهاية الأزمة أم هدنة مؤقتة؟

إن تراجع قوات اللواء 444 وانسحابها من بعض المقرات يمثل تطوراً إيجابياً ظاهرياً، لكنه لا يزال يثير العديد من التساؤلات.

فهل جاء هذا التراجع نتيجة مفاوضات وضغوط، أم أنه يعكس إعادة لتموضع القوات؟

وهل يمثل هذا التراجع نهاية للأزمة الحالية أم أنه مجرد تهدئة مؤقتة قبل جولة أخرى من التصعيد؟

تعليق الدراسة: ثمن يدفعه المدنيون:

يظل قرار تعليق الدراسة الشامل في طرابلس دليلاً واضحاً على أن المدنيين هم من يدفعون ثمن هذا الصراع والتجاذب بين الأطراف المختلفة.

فالخوف على سلامة الطلاب والمعلمين يعكس حالة الهشاشة الأمنية التي تعيشها العاصمة.

الخلاصة والآفاق المستقبلية في ضوء التطورات:

إن قرارات الدبيبة “التاريخية” لإعادة الهيكلة الأمنية في طرابلس تواجه الآن اختباراً حقيقياً على أرض الواقع.

فالتصعيد الأمني المفاجئ والرفض الشعبي يبرزان مدى تعقيد المشهد وتداخل المصالح.

إن تراجع اللواء 444 قد يفتح نافذة للحوار وتهدئة التوترات، لكن النجاح الحقيقي يكمن في معالجة الأسباب الجذرية للأزمة من خلال نهج شامل وعادل يضمن سيادة القانون على الجميع ويحظى بقبول مختلف المكونات الليبية.

إن مستقبل طرابلس، وبالتالي ليبيا، لا يزال معلقاً بين خيار التصعيد والانزلاق نحو الفوضى، وخيار الحوار والتوافق الوطني.

المزيد من الكاتب

تطورات متسارعة في طرابلس: تعليق الدراسة يتزامن مع تحركات سياسية رفيعة المستوى ودعوات للوحدة الوطنية

طرابلس: بيانات متضاربة و”وحدات محايدة” تكشف عمق الأزمة الأمنية في أعقاب قرارات الدبيبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *