ترامب يلوّح بورقة الانسحاب من مفاوضات أوكرانيا: هل هي رسالة ضغط أم إعلان عن تحول في الاستراتيجية الأمريكية؟

أطلق الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تصريحاً لافتاً يلمح إلى إمكانية انسحاب الولايات المتحدة من محادثات التسوية بشأن النزاع في أوكرانيا، وذلك خلال مقابلة مع قناة “إن بي سي” الأمريكية.

هذه التصريحات تثير تساؤلات هامة حول مستقبل الدور الأمريكي في جهود إنهاء الصراع الدائر، وما إذا كانت واشنطن تسعى من خلالها إلى تحقيق أهداف محددة تجاه طرفي النزاع، روسيا وأوكرانيا.

ترامب: “سيأتي وقت أقول فيه… امضوا قدما وكونوا أغبياء

بأسلوبه المعهود، أشار ترامب إلى أن الولايات المتحدة قد تصل إلى نقطة تتخلى فيها عن جهود الوساطة إذا لم يتم إحراز تقدم ملموس نحو اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا.

وعبّر عن هذا بقوله: “سيأتي وقت أقول فيه، حسنا، امضوا قدما، امضوا قدما وكونوا أغبياء… سيأتي وقت أستطيع فيه أن أقول ذلك”.

غموض يكتنف القرار مع تلميحات بـ”أمور إيجابية“:

على الرغم من هذا التلويح بالانسحاب، أشار ترامب إلى أنه يقترب أحياناً من اتخاذ هذا القرار، لكن تظهر بعد ذلك “أمور إيجابية” تدفعه للتراجع، معرباً عن اعتقاده بوجود فرصة “جيدة للغاية” لحل الصراع في أوكرانيا.

هذا الغموض يترك الباب مفتوحاً للتكهنات حول طبيعة هذه “الأمور الإيجابية” وما إذا كانت تتعلق بتطورات على الأرض أو بمواقف الأطراف المتنازعة.

تباين في التصريحات الأمريكية يعكس استراتيجية الضغط:

تأتي تصريحات ترامب بعد أيام قليلة من تصريح المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، تامي بروس، التي أكدت أن الولايات المتحدة ستنسحب من عملية التفاوض كوسيط إذا لم يُحرز أي تقدم نحو السلام.

وفي المقابل، صرّح نائب الرئيس الأمريكي، جيه. دي. فانس، بأن الولايات المتحدة تعتزم السعي بنشاط لبدء مفاوضات مباشرة بين أطراف النزاع خلال المائة يوم المقبلة.

هذا التباين الظاهري في التصريحات قد يعكس استراتيجية أمريكية تهدف إلى ممارسة الضغط على كل من روسيا وأوكرانيا لدفعهم نحو طاولة المفاوضات.

تحليل أهداف واشنطن ورسالتها المحتملة:

يمكن تفسير تصريحات ترامب وتصريحات المسؤولين الآخرين في الإدارة الأمريكية على أنها تحمل عدة أهداف ورسائل محتملة لأطراف النزاع:

رسالة ضغط على روسيا: قد يكون الهدف من التلويح بالانسحاب هو الضغط على روسيا لتقديم تنازلات في المفاوضات.

فإذا شعرت موسكو بأن الولايات المتحدة قد تتخلى عن دورها في الوساطة، فقد تكون أكثر استعداداً للانخراط بجدية أكبر في المحادثات.

رسالة ضغط على أوكرانيا: بالمثل، قد يكون هذا التلويح رسالة إلى أوكرانيا بضرورة إظهار مرونة أكبر في مواقفها التفاوضية.

قد تخشى كييف من أن يؤدي انسحاب الولايات المتحدة إلى تضعيف موقفها وتقليل الدعم الدولي المقدم لها.

التأكيد على أهمية إحراز تقدم: بغض النظر عن الطرف المستهدف بشكل أساسي، فإن هذه التصريحات تؤكد على أن واشنطن تتوقع رؤية تقدم حقيقي في جهود التسوية، وأن صبرها ليس بلا حدود.

إظهار موقف حازم للداخل الأمريكي: قد تهدف هذه التصريحات أيضاً إلى إرضاء قطاع من الرأي العام الأمريكي الذي قد يرى أن الولايات المتحدة تنفق الكثير من الموارد على دعم أوكرانيا دون تحقيق نتائج ملموسة في إنهاء الصراع.

فعالية هذه الرسائل وتأثيرها على طرفي النزاع:

تعتمد فعالية هذه الرسائل على عدة عوامل، بما في ذلك مدى جدية روسيا وأوكرانيا في التوصل إلى حل سلمي، وتأثير الضغوط الداخلية والخارجية على مواقفهما، وثقة الأطراف في مصداقية الولايات المتحدة كوسيط.

تأثير محتمل على روسيا: قد تأخذ روسيا هذه التصريحات على محمل الجد إذا كانت تخشى فقدان قناة الحوار مع الولايات المتحدة.

ومع ذلك، قد ترى موسكو أيضًا أن هذا التلويح بالانسحاب هو مجرد تكتيك ضغط وأن واشنطن ستظل منخرطة في نهاية المطاف.

تأثير محتمل على أوكرانيا: من المرجح أن تنظر أوكرانيا إلى هذه التصريحات بقلق، خاصة وأنها تعتمد بشكل كبير على الدعم الأمريكي.

قد يدفع هذا كييف إلى إعادة تقييم مواقفها التفاوضية، لكنه قد يزيد أيضاً من شعورها بالإحباط والقلق بشأن مستقبل الدعم الغربي.

في الختام:

تعكس تصريحات دونالد ترامب بشأن احتمال انسحاب الولايات المتحدة من محادثات التسوية بشأن أوكرانيا استراتيجية أمريكية معقدة تهدف إلى ممارسة الضغط على طرفي النزاع لدفعهم نحو طاولة المفاوضات.

وما إذا كانت هذه الرسائل ستؤدي إلى تحقيق تقدم حقيقي في جهود السلام أم لا، يبقى سؤالاً مفتوحاً تحدده التطورات المستقبلية ومواقف الأطراف المعنية. المؤكد أن هذه التصريحات تزيد من حالة عدم اليقين بشأن مستقبل الدور الأمريكي في الأزمة الأوكرانية.

المزيد من الكاتب

“تحرك قضائي بناءً على تقارير ديوان المحاسبة: النيابة العامة تحيل مدير عام المدار وقيادات للتحقيق في تجاوزات مالية بملايين الدنانير تكشفها المراجعات الرقابية”

تعزيز السيادة الاقتصادية والاستدامة: محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار والمؤسسة الليبية للاستثمار نحو رؤية وطنية مشتركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *