في خطوة مفاجئة تعكس تحولات محتملة في المشهد الإقليمي، وقّعت وزارة السياحة السورية مذكرة تفاهم مع ائتلاف يضم شركات قطرية وسعودية بهدف تطوير وإقامة مشاريع سياحية في مناطق مختلفة من سوريا.
تأتي هذه الاتفاقية في ظل أوضاع استثنائية تمر بها سوريا، حيث لا تزال البلاد تعاني من تداعيات حرب أهلية استمرت لأكثر من عقد، مما يطرح تساؤلات حول الجدوى الاقتصادية والسياسية والأمنية لهذه الاستثمارات الطموحة.
الأهداف المعلنة للاستثمار وأهميته الاقتصادية المحتملة:
تهدف مذكرة التفاهم، كما ورد في وكالة الأنباء السورية (سانا)، إلى استغلال المواقع السياحية في سوريا لتحقيق عوائد مالية مجزية وتعزيز الجدوى الاقتصادية.
ويأتي ذلك من خلال الاستفادة من خبرات وإمكانيات الشركات الخليجية المتخصصة في قطاع السياحة.
كما تتضمن الاتفاقية تطوير البنية السياحية بما يسهم في تحقيق تنمية اقتصادية وثقافية واجتماعية وسياحية مستدامة، بالإضافة إلى توفير فرص عمل جديدة للشباب السوري خلال مراحل الإنشاء والتشغيل.
وفي ظل التدهور الاقتصادي الحاد الذي تشهده سوريا، حيث انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة كبيرة ويعيش غالبية السكان تحت خط الفقر، يمكن لهذا الاستثمار أن يمثل دفعة اقتصادية هامة إذا ما تم تنفيذه بنجاح.
وقد اتفقت السعودية وقطر مؤخراً على دفع متأخرات سوريا للبنك الدولي، مما يفتح الباب أمام تجدد التمويل التنموي للبلاد، وهو ما قد يسهل مثل هذه الاستثمارات.
تحديات وفرص الاستثمار في سياق الأوضاع السورية الراهنة:
على الرغم من الآمال التي قد يثيرها هذا الاستثمار، إلا أنه يواجه تحديات كبيرة في ظل الأوضاع الراهنة في سوريا.
فمن الناحية الأمنية، لا تزال بعض المناطق تشهد حالة من عدم الاستقرار ووجود جماعات مسلحة، مما قد يشكل خطراً على المشاريع السياحية والعاملين فيها.
وقد أشار تقرير صادر عن مجلس العموم البريطاني في مارس 2025 إلى أن سوريا لا تزال عبارة عن خليط من جماعات مسلحة. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال الوضع السياسي في سوريا معقداً، مع وجود عقوبات دولية مفروضة على النظام السوري، وهو ما قد يعيق حركة الاستثمارات والتعاملات المالية.
ومع ذلك، يمكن اعتبار هذا الاستثمار أيضاً فرصة لإعادة إحياء قطاع السياحة المتضرر بشدة في سوريا والمساهمة في عملية التعافي الاقتصادي والاجتماعي على المدى الطويل.
الدلالات السياسية والاستراتيجية للاستثمار:
يحمل هذا الاستثمار المشترك من قبل شركات قطرية وسعودية دلالات سياسية واستراتيجية هامة. فبعد سنوات من التوتر في العلاقات بين بعض دول المنطقة والنظام السوري، قد يمثل هذا التعاون الاقتصادي خطوة نحو إعادة تطبيع العلاقات وإعادة دمج سوريا في المحيط العربي.
وقد أشارت بعض التحليلات إلى أن قطر تسعى من خلال هذا النوع من المشاركة إلى تعزيز دورها كشريك عربي موثوق للولايات المتحدة في التعامل مع القيادة السورية.
كما أن هذا التعاون قد يعكس رغبة إقليمية في تجاوز حالة الجمود السياسي والبحث عن مسارات جديدة للمساهمة في استقرار سوريا.
التأثير المحتمل على التنمية المستدامة وخلق فرص العمل:
تنص مذكرة التفاهم على أن تطوير البنية السياحية سيساهم في تحقيق تنمية اقتصادية وثقافية واجتماعية وسياحية مستدامة، بالإضافة إلى خلق فرص عمل جديدة للشباب السوري. وفي حال تحقق هذه الأهداف، فإنها ستكون ذات أهمية كبيرة في التخفيف من وطأة الأزمة الإنسانية والاقتصادية التي يعاني منها الشعب السوري. ومع ذلك، يتطلب تحقيق هذه الأهداف ضمان بيئة استثمارية آمنة ومستقرة ووضع خطط تنمية شاملة تراعي البعد الاجتماعي والثقافي للمجتمعات المحلية.
يمثل توقيع مذكرة التفاهم بين وزارة السياحة السورية وائتلاف الشركات القطرية السعودية خطوة لافتة تحمل في طياتها فرصاً اقتصادية محتملة لسوريا، إلا أنها تأتي مصحوبة بتحديات كبيرة في ظل الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية الراهنة.
يبقى أن نرى كيف ستتطور هذه المبادرة وما إذا كانت ستنجح في تحقيق أهدافها المعلنة في المساهمة في إعادة إحياء قطاع السياحة ودعم جهود التعافي في سوريا.
ويتطلب النجاح في هذا المسعى تضافر الجهود وتجاوز العقبات وتهيئة بيئة جاذبة وآمنة للاستثمارات على المدى الطويل.