واشنطن/طرابلس – 7 مايو 2025 – في تطور يثير موجة من الانتقادات القانونية والإنسانية، كشفت تقارير إعلامية عن دراسة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لخطط ترحيل مهاجرين من الولايات المتحدة إلى ليبيا ورواندا، مما أثار تحذيرات من قاضٍ فيدرالي وإدانة من منظمات حقوقية ورفضاً قاطعاً من الحكومة الليبية المعترف بها والمجلس الأعلى للدولة وقادة محليين.
قاضٍ فيدرالي يحذر من انتهاك أمر قضائي سابق
أفادت وثائق قضائية بأن قاضياً فيدرالياً حذر من أن ترحيل مهاجرين إلى ليبيا أو المملكة العربية السعودية، كما ورد في التقارير، سيشكل انتهاكاً لأمر محكمة سابق كان قد أصدره. وكان القاضي برايان مورفي قد منع مؤقتاً إدارة ترامب من ترحيل أشخاص إلى دول غير دولهم الأصلية دون إخطار مسبق وإتاحة الفرصة لهم للطعن في القرار.
وأكد القاضي أن ترحيل المهاجرين إلى ليبيا، وهي دولة تشهد صراعاً أهلياً مستمراً، يمثل انتهاكاً صريحاً لتوجيهه السابق، مشدداً على عدم جواز التهرب من الأمر القضائي عبر نقل المسؤولية إلى جهات أخرى، بما في ذلك وزارة الدفاع.
تضارب الأنباء حول رحلة محتملة إلى ليبيا
أثارت تقارير عن رصد طائرة عسكرية أمريكية من طراز C-17 متجهة من سان أنطونيو إلى مطار مصراتة في ليبيا تكهنات واسعة حول قرب تنفيذ خطط الترحيل.
وقد سبق استخدام هذا النوع من الطائرات لنقل مهاجرين في الأشهر الأخيرة.
ردود فعل ليبية موحدة وقوية في وجه خطط الترحيل
قوبلت خطط ترحيل المهاجرين إلى ليبيا برفض قاطع وموحد من مختلف الأطراف الليبية.
ففيما نفى آمر الكلية الجوية بمصراتة وصول أي طائرة تقل مهاجرين، وأكدت وزارة الخارجية عدم وجود أي اتفاق مع واشنطن بشأن هذا الملف، برز موقف أكثر حزماً من المجلس الأعلى للدولة الذي رفض أي شكل من أشكال التوطين أو الترحيل دون سند دستوري وقانوني.
حكومة الوحدة الوطنية تنفي أي تنسيق وتؤكد رفضها لاستخدام ليبيا كوجهة للترحيل
في سياق متصل، أصدرت حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس بياناً رسمياً تابعت فيه التقارير الإعلامية الدولية بشأن نية السلطات الأمريكية ترحيل مهاجرين إلى ليبيا.
وأكدت الحكومة بشكل قاطع عدم وجود أي اتفاق أو تنسيق معها بشأن استقبال أي مهاجرين مُرحلين من الولايات المتحدة.
وأشارت إلى أن بعض “الجهات الموازية التي لا تخضع للشرعية” قد تكون طرفاً في تفاهمات لا تمثل الدولة الليبية ولا تلزمها قانوناً أو سياسياً.
وشددت الحكومة على رفضها استخدام الأراضي الليبية كمقصد لترحيل المهاجرين دون علمها أو موافقتها، وتمسكت بحقها في حماية السيادة الوطنية.
كما هدد قائد “لواء الصمود” صلاح بادي بالتصعيد إذا تم استقبال أي مرحلين في مصراتة، مما يعكس مدى حساسية هذا الملف في الأوساط الليبية.
ويأتي بيان حكومة الوحدة الوطنية ليضيف وزناً رسمياً وسياسياً إضافياً للرفض الليبي لخطة الترحيل الأمريكية، باعتبارها الحكومة المعترف بها دولياً في ليبيا.
كما أن إشارة الحكومة إلى “جهات موازية لا تخضع للشرعية” قد تكون طرفاً في تفاهمات تثير تساؤلات حول ما إذا كانت هناك أطراف ليبية أخرى، ربما في الشرق الليبي، قد تكون منفتحة على مناقشة أو قبول مثل هذه الخطط بشكل منفرد، مما يشير إلى انقسام محتمل في المواقف داخل ليبيا.
ويشدد بيان الحكومة على أهمية موافقتها وسيادتها على أراضيها، مما يجعل تنفيذ أي خطة ترحيل دون موافقتها أمراً صعباً من الناحية القانونية والسياسية ويعزز موقف ليبيا التفاوضي، كما يبعث برسالة واضحة إلى المجتمع الدولي بأنها لن تقبل بأن تتحول ليبيا إلى محطة لترحيل المهاجرين نيابة عن دول أخرى.
إدارة ترامب تبرر خططها بـ “السجلات الإجرامية“
كانت مصادر في إدارة ترامب قد صرحت بأن الخطة تتضمن إرسال مهاجرين لديهم سجلات إجرامية إلى ليبيا ورواندا، بالإضافة إلى بحث إمكانية إبرام اتفاقية “دولة ثالثة آمنة” مع ليبيا.
وقد أشار وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى أن الإدارة تبحث بنشاط عن دول أخرى لاستقبال “أشخاص من دول ثالثة”.
تداعيات وتوقعات: تحديات قانونية وإنسانية وسياسية
تحديات قانونية: من المرجح أن تواجه خطط الترحيل تحديات قانونية كبيرة في الولايات المتحدة، خاصة بعد تحذير القاضي الفيدرالي من انتهاك أمر قضائي سابق. كما أن منظمات حقوق المهاجرين تعتزم تصعيد جهودها لمنع هذه عمليات الترحيل.
مخاوف إنسانية: تثير إمكانية ترحيل مهاجرين إلى ليبيا، وهي دولة تشهد صراعاً أهلياً وتدهوراً في الأوضاع الأمنية والإنسانية، مخاوف بالغة لدى المنظمات الحقوقية والأمم المتحدة.
فقد سبق للأمم المتحدة أن انتقدت بشدة معاملة المهاجرين في ليبيا، حيث وثقت انتهاكات واسعة النطاق.
رفض ليبي داخلي ومؤسسي: يظهر الرفض القوي والموحد من قبل أطراف ليبية مختلفة، بما في ذلك الحكومة الرسمية وقادة عسكريون محليون والمجلس الأعلى للدولة، صعوبة تنفيذ مثل هذه الخطة على أرض الواقع.
تأثير على العلاقات الأمريكية الليبية: قد يؤدي الإصرار الأمريكي على هذه الخطوة إلى توتير العلاقات مع الحكومة الليبية الانتقالية، التي تسعى للحصول على دعم دولي لتحقيق الاستقرار في البلاد.
موقف الولايات المتحدة الأمريكية:
تبدو إدارة ترامب مصممة على المضي قدماً في سياساتها المتشددة تجاه الهجرة، حتى لو تطلب ذلك اتخاذ خطوات مثيرة للجدل مثل ترحيل مهاجرين إلى دول غير آمنة.
وقد أشارت الإدارة إلى أن هذه الخطط تهدف إلى ردع الهجرة غير الشرعية ونقل الأشخاص ذوي السجلات الإجرامية خارج الولايات المتحدة.
موقف بريطانيا:
من المتوقع أن تعرب بريطانيا عن قلقها إزاء هذه الخطط، خاصة بالنظر إلى موقفها المعلن حول حماية حقوق الإنسان واللاجئين. سبق لبريطانيا أن واجهت تحديات قانونية كبيرة بشأن خطط مماثلة لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا، ومن المرجح أن تنظر لندن إلى أي محاولة لترحيل مهاجرين إلى ليبيا، وهي منطقة صراع نشط، بعين القلق الشديد.
التوقعات:
بالنظر إلى التحديات القانونية الكبيرة، والرفض الليبي الداخلي والمؤسسي القوي، والمخاوف الإنسانية المتزايدة، تبدو فرص نجاح خطة ترحيل المهاجرين إلى ليبيا ضئيلة.
من المرجح أن تستمر المعركة القانونية ضد هذه الخطة، وقد تضطر الإدارة الأمريكية إلى التراجع عنها في نهاية المطاف.
في الختام:
تظل خطط إدارة ترامب لترحيل مهاجرين إلى ليبيا قضية معقدة وحساسة، تحمل في طياتها تداعيات قانونية وإنسانية وسياسية كبيرة.
وبينما تصر الإدارة الأمريكية على موقفها، يواجه هذا التوجه رفضاً متزايداً على المستويات المحلية والدولية.
فالرفض القاطع والمتكرر من الحكومة الليبية المعترف بها دولياً، والمجلس الأعلى للدولة، بالإضافة إلى التهديدات من جهات محلية أخرى، يضع عقبات كبيرة أمام تنفيذ هذه الخطة المثيرة للجدل، ويؤكد على أن ليبيا لن تكون وجهة لترحيل المهاجرين دون إرادتها وموافقتها.