في قلب أزمة أوكرانية تتصاعد يوماً بعد يوم، شهِد يومَا الثامن والتاسع من مايو/أيار أحداثاً بالغة الأهمية، امتزجت فيها الاحتفالات بذكرى الانتصار في الحرب العالمية الثانية بتبادل الاتهامات الحادة، وتحركات دبلوماسية مكثفة، وقضايا أمنية إقليمية تنذر بتداعيات خطيرة.
اليوم الأول: 8 مايو - شرارة التصريحات الدبلوماسية والتوترات المتصاعدة
في بداية يوم 8 مايو، وجّه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي سهام استهزائه نحو موسكو وتحديداً نحو الاستعراض العسكري المزمع إقامته في الساحة الحمراء بمناسبة يوم النصر، واصفاً إياه بـ “استعراض للسخرية”.
هذا التصريح اللاذع أضاف طبقة أخرى من التوتر إلى العلاقات المتأزمة بين البلدين.

في المقابل، وعلى النقيض تماماً، استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتن في الكرملين نظيره الصيني شي جين بينغ بعبارات ودية عميقة، قائلاً له “صديقي العزيز”، في لفتة تؤكد على قوة ومتانة التحالف بين موسكو وبكين.
وخلال مباحثات موسعة بين الزعيمين، أكد بوتن على الدور المحوري الذي تلعبه العلاقات الروسية الصينية في الحفاظ على الاستقرار على الساحة الدولية المضطربة. وقد أشار شي جين بينغ من جانبه إلى ضرورة تكاتف البلدين لمواجهة ما وصفه بـ “التنمر المهيمن”، في إشارة واضحة إلى السياسات الأمريكية وتأثيرها على النظام العالمي. هذا اللقاء الرفيع المستوى يُعدّ مؤشراً قوياً على اصطفاف استراتيجي في ظل التحديات الجيوسياسية الراهنة.
أما على الجبهة الأوكرانية، فقد تبادلت كييف وموسكو اتهامات بخرق الهدنة الهشة التي أعلنتها روسيا من طرف واحد.
بينما أكدت أوكرانيا على استمرار الهجمات الروسية على طول خط التماس، خاصة في منطقة دونيتسك، زعمت موسكو بدورها أن القوات الأوكرانية لم تلتزم بوقف إطلاق النار وقامت بانتهاكات عديدة.
هذا التضارب في الروايات يسلط الضوء على مدى هشاشة الوضع واحتمالية تجدد القتال في أي لحظة.
وفي تطور مفاجئ حمل بصيص أمل، كشف الرئيس زيلينسكي عن محادثة هاتفية “قيّمة” جمعته بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث أعرب ترامب عن دعمه لمقترح وقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً، وهو ما لاقى ترحيباً من الجانب الأوكراني الذي أكد استعداده للتفاوض بأي شكل.
وقد عزز هذا الإعلان آمالاً مؤقتة في إمكانية خفض التصعيد، خاصة بعد أن دعا ترامب روسيا وأوكرانيا علناً إلى الالتزام بهدنة غير مشروطة.
وفي سياق آخر، عبّر زيلينسكي عن تقدير أوكرانيا للموقف الثابت للفاتيكان بشأن احترام القانون الدولي وإدانة العدوان الروسي، متمنياً للبابا المنتخب حديثاً ليون الرابع عشر التوفيق في مهمته.
اليوم الثاني: 9 مايو - احتفالات تحت الظلال وتصعيد دولي

مع بزوغ فجر يوم 9 مايو، تصدرت احتفالات روسيا بيوم النصر المشهد العالمي.
فمن قلب الساحة الحمراء، أكد الرئيس بوتن في خطاب مُوَجّه للعالم تصميم روسيا على مواجهة ما وصفه بـ “النازية وكراهية روسيا”، مُشدداً على أن “الحقيقة” إلى جانب بلاده في هذا الصراع.
وقد حضر هذا الاستعراض العسكري الضخم وفود رفيعة المستوى من أكثر من عشرين دولة، وعلى رأسهم الرئيس الصيني شي جين بينغ، مما يعكس عمق العلاقات بين موسكو وحلفائها.
في المقابل، استمرت التوترات على الأرض، حيث تبادلت روسيا وأوكرانيا الاتهامات بخرق الهدنة المعلنة.
وبلغ التصعيد ذروته مع ورود تقارير مؤكدة في وقت لاحق من اليوم عن قصف القوات الأوكرانية لمبنى حكومي في منطقة بيلغورود الروسية بطائرة مسيرة، مما أسفر عن إصابة شخصين.
هذا الهجوم، الذي تم توثيقه بمقطع فيديو انتشر على نطاق واسع، يمثل تطوراً خطيراً ينقل الصراع إلى مرحلة جديدة من التصعيد المباشر.

دولياً، كان هناك حراك دبلوماسي وقانوني ملحوظ. ففي لفيف بغرب أوكرانيا، اجتمع وزراء أوروبيون وأعلنوا عن دعمهم الكامل لإنشاء محكمة خاصة لمحاكمة روسيا بتهمة “جرائم العدوان”، في خطوة رمزية وقانونية هامة تهدف إلى محاسبة المسؤولين عن الحرب. وفي سياق متصل، أعلنت المملكة المتحدة عن فرض حزمة جديدة من العقوبات على ما يُعرف بـ “أسطول الظل” الروسي، في محاولة لتضييق الخناق على مصادر تمويل الحرب الروسية.
أما فرنسا، فقد خطت خطوة هامة على صعيد تعزيز التعاون الأمني والإقليمي، حيث أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون عن توقيع معاهدة مع بولندا في مدينة نانسي الفرنسية.
تهدف هذه المعاهدة إلى تعزيز العلاقات الدفاعية بين البلدين في مواجهة ما يعتبرونه تهديداً متزايداً من روسيا، وتشمل بنداً للدفاع المتبادل، مما يعكس قلقاً أوروبياً متزايداً حيال الأوضاع الأمنية في القارة.
يومان حافلان بالأحداث والتطورات المتلاحقة تكشف عن مدى عمق الأزمة الأوكرانية وتشابكها على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

استهزاء زيلينسكي، وتحالف بوتن وشي، وتصعيد العقوبات، والتحركات القانونية، وتعزيز التحالفات الأوروبية، كلها مؤشرات تنذر بمرحلة حاسمة تتطلب متابعة دقيقة وتحليلاً معمقاً لفهم التداعيات المحتملة على مستقبل المنطقة والعالم.
