في تطور لافت يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين، استقبل سكرتير مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو في موسكو، بتاريخ الثامن من مايو للعام 2025، القائد العام للقوات المسلحة الليبية خليفة حفتر، في إطار زيارة رسمية تهدف إلى بحث سبل تعزيز التعاون الثنائي ودعم جهود تحقيق الاستقرار في ليبيا والمنطقة ككل.
يأتي هذا اللقاء في ظل تعقيدات إقليمية ودولية متزايدة، مما يضفي عليه أهمية خاصة في مسعى إيجاد حلول مستدامة للأزمات.
تاريخياً، لطالما جمعت ليبيا وروسيا علاقات وثيقة تعود إلى عقود مضت، شهدت تعاوناً في مختلف المجالات. وفي الوقت الراهن، يكتسب هذا التعاون زخماً إضافياً في ظل ما تشهده ليبيا من تحديات سياسية وأمنية مستمرة منذ سنوات.
تسعى القيادة العامة الليبية، من خلال هذه الزيارة، إلى تعزيز هذا التنسيق مع موسكو، خاصة في الملفات التي تخدم مصالح البلدين المشتركة وتسهم في تحقيق الأمن والسلم الإقليمي والدولي.

على صعيد المباحثات، من المرجح أن يكون ملف التعاون العسكري والأمني في صدارة “الملفات ذات الاهتمام المشترك”. ففي ظل استمرار التحديات الأمنية في ليبيا والمنطقة المحيطة، بما في ذلك خطر الجماعات المتطرفة، يمكن أن يشكل تبادل الخبرات والمعلومات، بالإضافة إلى إمكانية الحصول على الدعم التقني واللوجستي، عنصراً هاماً في تعزيز قدرة القوات المسلحة الليبية على حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب.
إلى جانب ذلك، من المتوقع أن يتناول اللقاء سبل “دعم جهود تحقيق الاستقرار في ليبيا”. يمكن أن يشمل هذا الدعم مساندة المسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، والمساهمة في توحيد المؤسسات الليبية المنقسمة، بالإضافة إلى تقديم الدعم في ملف المصالحة الوطنية.
كما أن لروسيا دوراً فاعلاً في الساحة الدولية، ويمكن لتنسيق المواقف بين البلدين أن يعزز فرص التوصل إلى حلول توافقية للأزمة الليبية.

أما فيما يتعلق بـ “دعم جهود تحقيق الاستقرار في المنطقة ككل”، فيمكن فهمه في سياق التحديات المشتركة التي تواجه دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط، مثل قضايا الهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة، بالإضافة إلى التوترات الإقليمية المتصاعدة.
إن تعزيز التعاون الروسي الليبي يمكن أن يساهم في إيجاد مقاربات مشتركة لهذه القضايا، خاصة في ظل موقع ليبيا الاستراتيجي وتأثيرها على محيطها الإقليمي.
من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن عدم الاستقرار في ليبيا لا يؤثر فقط على الداخل الليبي، بل يمتد تأثيره ليشمل دول الجوار والمنطقة بأسرها، من خلال تدفقات اللاجئين والاتجار بالبشر وتهريب الأسلحة.
وبالتالي، فإن أي جهد يهدف إلى تحقيق الاستقرار في ليبيا يمثل خطوة حاسمة نحو تعزيز الأمن الإقليمي. وفي هذا السياق، يمكن أن يلعب التعاون الروسي الليبي دوراً محورياً في معالجة هذه التحديات المشتركة.

وعلى الرغم من التفاؤل الذي قد يعكسه هذا اللقاء بشأن مستقبل التعاون الروسي الليبي، فمن الضروري الأخذ في الاعتبار وجهات النظر الإقليمية والدولية الأخرى.
فقد يرى بعض اللاعبين الدوليين في تعزيز الدور الروسي في ليبيا تحدياً لمصالحهم أو رؤيتهم للحل في البلاد.
كما أن التحديات الداخلية في ليبيا، بما في ذلك الانقسامات السياسية والمؤسسية، قد تمثل عائقاً أمام تحقيق الاستقرار المنشود.

ختاماً، يمثل لقاء حفتر وشويغو في موسكو محطة هامة في مسار العلاقات الليبية الروسية، ويحمل في طياته إمكانات لتعزيز التعاون الثنائي في مجالات حيوية تخدم استقرار ليبيا والمنطقة.
يبقى التحدي في ترجمة هذه المباحثات إلى خطوات عملية وملموسة على أرض الواقع، بما يضمن تحقيق الأمن والسلام المستدامين في المنطقة.