الرباط – المغرب
في خطوة تعكس عمق العلاقات الثنائية وتطلعهما المشترك نحو تعزيز الشفافية والمساءلة، باشر ديوان المحاسبة الليبي والمجلس الأعلى للحسابات المغربي تفعيل مذكرة تفاهم تهدف إلى الارتقاء بالعمل الرقابي في كلا البلدين. وقد جاء هذا التطور الهام على هامش مراسم توقيع اتفاقية استضافة المملكة المغربية للمقر الدائم للمنظمة الأفريقية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة (الأفروساي) في الرباط.
شهدت العاصمة المغربية سلسلة من الفعاليات الرسمية التي بدأت باستقبال حافل للوفد الليبي، تلاه زيارة تقديرية لضريح الملك محمد الخامس، تجسيدًا للعلاقات الأخوية الراسخة التي تجمع الشعبين.
عُقد اجتماع فني بين فريق مشروع مذكرة التفاهم من الجانبين الليبي والمغربي، حيث تم الاتفاق على البدء بتنفيذ المذكرة في أربعة مجالات أساسية ذات أولوية:
1- المخالفات المالية: يهدف التعاون في هذا المجال إلى تبادل الخبرات حول توصيف وتسجيل المخالفات المالية، وتعزيز أدلة الإثبات بما يضمن إنفاذ القانون ومحاسبة المسؤولين عن أي تجاوزات مالية.
سيشمل ذلك تبادل المنهجيات المتعلقة بتصنيف المخالفات وتحسين تقنيات جمع الأدلة.
2- التفتيش وأخلاقيات المهنة: سيركز الجانبان على تبادل أفضل الممارسات والتجارب لتعزيز الشفافية والنزاهة المهنية في العمل الرقابي.
سيشمل ذلك تبادل الخبرات في تطوير معايير التفتيش وبرامج التدريب الخاصة بأخلاقيات المهنة.
3- العقود ومتابعة المشروعات: يهدف هذا المحور إلى رفع كفاءة الرقابة على تنفيذ العقود الحكومية وتتبع مراحل إنجاز المشروعات لضمان الالتزام بالجداول الزمنية والميزانيات المحددة.
سيتم تبادل الخبرات في تطوير آليات فعالة لتدقيق العقود ومتابعة تنفيذ المشاريع الكبرى.
4- التحول الرقمي: يسعى الطرفان إلى تطوير نظم العمل الرقابية من خلال تبادل الخبرات في مجال الرقمنة واستخدام التكنولوجيا الحديثة لتحسين كفاءة وفعالية عمليات التدقيق.
وقد أعقب هذا الاجتماع الفني اجتماع مشترك موسع ضم فريقي العمل، بالإضافة إلى رئيس ديوان المحاسبة الليبي والرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات المغربي.
تم خلال الاجتماع مناقشة واعتماد المجالات الأربعة المقترحة، مع التأكيد على ضرورة تكليف الفريقين بوضع خطة عمل تنفيذية تتضمن جداول زمنية واضحة للشروع في التطبيق العملي للمجالات المتفق عليها.

أكد الجانبان على الأهمية القصوى لهذا التعاون الثنائي في دعم العمل الرقابي المشترك وتبادل الخبرات القيمة، مما سيسهم بلا شك في تطوير أداء الأجهزة العليا للرقابة في كل من ليبيا والمغرب. كما شددا على التزامهما بالعمل جنباً إلى جنب لتنفيذ بنود مذكرة التفاهم وفقاً لأفضل الممارسات والمعايير الدولية المعمول بها.
وعبر الطرفان عن تطلعهما إلى توسيع آفاق التعاون المستقبلي لتشمل مجالات إضافية تخدم أهداف التنمية المستدامة وتعزز مبادئ الشفافية والمساءلة والحكم الرشيد في المنطقة بأسرها.
ويجدر الذكر أن هذا اللقاء المثمر قد أقيم على هامش مراسم توقيع اتفاقية المقر الدائم لمنظمة الأفروساي (AFROSAI) في الرباط، وهي خطوة مهمة تهدف إلى تعزيز فعالية المنظمة ورفع مستوى التنسيق بين الدول الأعضاء فيها في مجال الرقابة المالية والمحاسبة.
وقد جرت يوم الجمعة مراسم التوقيع على مذكرة اتفاق لنقل مهام الأمانة العامة لمنظمة الأفروساي إلى المجلس الأعلى للحسابات المغربي، وتحديد التزاماته فيما يتعلق بتوفير الموارد والتسهيلات اللازمة لضمان حسن سير عمل الأمانة العامة.
وقد ترأس مراسم التوقيع كل من زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات والأمينة العامة للأفروساي، وخالد أحمد شكشك، رئيس الديوان الليبي للمحاسبة ورئيس الأفروساي.
وأوضح بلاغ صادر عن المجلس الأعلى للحسابات أن هذا الاتفاق يأتي تنفيذًا لقرارات الجمعية العامة لمنظمة الأفروساي، التي عقدت في طرابلس، ليبيا، في الفترة من 4 إلى 6 ديسمبر 2024.
وقد تم خلال هذه الجمعية انتخاب المجلس الأعلى للحسابات أميناً عاماً ومؤسسة مضيفة للمقر الدائم للمنظمة.
كما يأتي هذا الاتفاق في أعقاب توقيع اتفاقية استضافة العاصمة الرباط لمقر المنظمة بين حكومة المملكة المغربية، ممثلة في ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، وزينب العدوي، الأمينة العامة للأفروساي، بتاريخ 30 أبريل 2025.
وتأتي هذه الخطوة تفعيلاً للرؤية الملكية التي تهدف إلى تعزيز التعاون بين دول الجنوب وجعله خياراً استراتيجياً للمملكة وشركائها في أفريقيا، بما يرمي إلى دعم الحكامة الجيدة وتحقيق التنمية المستدامة المشتركة والازدهار في القارة الأفريقية.
وفي هذا السياق، أكدت زينب العدوي على الأهمية البالغة لهذا الاتفاق، واصفة إياه بأنه يمثل مرحلة فاصلة في عمل منظمة الأفروساي وخطوة حاسمة نحو تحقيق أهدافها الاستراتيجية ومواجهة التحديات المشتركة ذات الأولوية للدول الأعضاء.
وفي كلمتها الافتتاحية، أعربت العدوي عن التزام المجلس الأعلى للحسابات بالعمل على الحفاظ على إرث المنظمة والارتقاء بأدائها وتطويره من خلال مجموعة من المشاريع المهيكلة والمبتكرة. كما أكدت على أهمية تعزيز التنسيق بين المجموعات الجهوية للمنظمة وتعزيز مكانة الأفروساي في علاقتها مع المنظمة الدولية الأم (الإنتوساي)، مشددة على ضرورة بلورة استراتيجية تواصل فعالة لتعزيز حضور المنظمة على المستويين القاري والدولي.

من جانبه، أعرب خالد أحمد شكشك عن ثقته الكبيرة في المجلس الأعلى للحسابات، والتي تعكسها سجل إنجازاته المتميز. كما أكد على أن رئاسة المنظمة وأمانتها العامة ستعملان بتكامل لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للأفروساي، وفي مقدمتها تقديم الدعم الشامل للأجهزة الأعضاء في مجالات الرقابة المالية والمحاسبية، وتعزيز آليات الدعم المؤسساتي، والارتقاء بالقدرات المهنية والتقنية للعاملين في هذه الأجهزة.
في الختام، يمثل هذا التعاون بين ديوان المحاسبة الليبي والمجلس الأعلى للحسابات المغربي خطوة هامة نحو تعزيز الشفافية والمساءلة في القطاع العام في كلا البلدين.
وتأتي هذه الجهود المتكاملة في سياق أوسع يتمثل في تعزيز دور منظمة الأفروساي تحت قيادة المغرب، مما يبشر بمستقبل أكثر ازدهاراً للحوكمة الرشيدة في القارة الأفريقية.