في أمسية أوروبية مُنتظرة على أرضية ملعب الإمارات، تجرّع جمهور أرسنال صدمة مُبكرة ومُرّة، حيث خطف باريس سان جيرمان فوزًا ثمينًا بنتيجة 1-0 في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا. هدف المباراة الوحيد، والذي جاء بتوقيع عثمان ديمبيلي، لم يكن مجرد هدف، بل كان تجسيدًا حيًا لـ “باريس سان جيرمان الجديد” – فريق مُنظّم، يعتمد على الجماعية، ويملك القدرة على حسم اللحظات الحاسمة.
صافرة البداية لم تكد تستقر حتى اهتزت شباك أصحاب الأرض. لم تمر سوى أربع دقائق، كافية ليُعلن ديمبيلي عن حضوره القوي. الهدف بدأ من عنده، بانطلاقة ذكية واستلام للتمريرة رقم 24 في سلسلة استحواذ رائعة للفريق الباريسي. هذه السلسلة من التمريرات المتقنة والتحركات الجماعية المُنسقة هي السمة البارزة التي قادت باريس سان جيرمان نحو قمة كرة القدم الأوروبية في هذا الموسم.
من كان يظن قبل عام فقط أن هذا الفريق، الذي عُرف بـ “باريس سان جيرمان القديم” – فريق يفتقر للانضباط التكتيكي، ويعتمد بشكل مفرط على نجومه الفرديين، وخاصةً كيليان مبابي – سيقف اليوم على أعتاب نهائي دوري الأبطال؟ ولكن مع رحيل النجم الفرنسي، يبدو أن الفريق الباريسي قد تحرر ليُقدم أداءً جماعيًا مُبهرًا. الآن، يحملون معهم أفضلية هدف ثمين إلى مباراة الإياب التي ستقام في باريس الأسبوع المقبل.
لا يمكن إنكار أن باريس سان جيرمان كان الفريق الأفضل في مباراة الذهاب، ويعود الفضل في ذلك بشكل كبير إلى الأداء الاستثنائي الذي قدموه في أول نصف ساعة من اللقاء. نقطة التحول جاءت في الدقيقة الثالثة تحديدًا، عندما انطلق عثمان ديمبيلي، الجناح الذي عانى من عدم الثبات في الماضي، ولكنه تحول هذا الموسم إلى مهاجم قناص، ليجد مساحة خالية بين خط وسط ودفاع أرسنال.
خلال بناء الهجمة، كان تحرك ديمبيلي أشبه بالرقصة التكتيكية. تراجع من مركزه كمهاجم صريح (الرقم 9) إلى خط الوسط، ليخلق ارتباكًا في الرقابة. ثم انسل بذكاء إلى موقعه الجديد، متجاوزًا رقابة لاعبي خط وسط أرسنال الدفاعيين، الذين بدا أنهم فقدوا تركيزهم للحظة.
بقي ديمبيلي متربصًا في دائرة المنتصف، بينما انشغل ديكلان رايس، لاعب وسط أرسنال، بملاحقة فابيان رويز وميكيل ميرينو، محاولًا قطع الإمدادات عن صانعي ألعاب باريس سان جيرمان فيتينيا. هذه الحركة تركت ديمبيلي، اللاعب متعدد المراكز والمواهب، وحيدًا تمامًا في منطقة حساسة من الملعب، ليجد أمامه مساحة خضراء واسعة للانطلاق عندما أرسل نونو مينديز تمريرة ساحرة اخترقت قلب دفاع أرسنال.
انطلق ديمبيلي بسرعة فائقة مستغلاً المساحة، ومراوغًا بالكرة بمهارة فائقة كعادته. ثم مرر الكرة بذكاء إلى زميله خفيتشا كفاراتسخيليا على الطرف. نجح كفاراتسخيليا في جذب انتباه 60 ألف مشجع في المدرجات اللندنية، بما في ذلك مدافعي أرسنال الذين انجذبوا نحو جهة الكرة. ومن ثم، أعاد كفاراتسخيليا الكرة إلى ديمبيلي الذي لم يتردد في تسديدها ببراعة، لترتطم بالقائم البعيد وتسكن الشباك، مُعلنًا عن تقدم باريس سان جيرمان.
هذا الهدف المبكر وضع أرسنال في موقف صعب، ونجح باريس سان جيرمان في الحفاظ على تقدمه طوال المباراة.
مع نهاية الشوط الأول، بدأ أرسنال يستعيد توازنه في اللقاء، وشهدنا تبادلًا للفرص بين الفريقين. تألق الحارسان، ديفيد رايا حارس أرسنال وجيانلويجي دوناروما حارس باريس سان جيرمان، وتصديا لكرات خطيرة. كما ارتدت تسديدة قوية من غونسالو راموس مهاجم باريس سان جيرمان من العارضة، ليُحرم الفريق من تعزيز تقدمه.
في الشوط الثاني، حاول أرسنال بكل قوة تعديل النتيجة، ونجح بالفعل في هز الشباك برأسية من ميرينو في الدقائق الأولى، لكن تقنية الفيديو المساعد (VAR) تدخلت ليتم إلغاء الهدف بداعي التسلل، ليُحبط هذا القرار آمال جماهير أرسنال في العودة إلى المباراة.
في المجمل، انتهت مباراة الذهاب من نصف النهائي الأول بفوز مستحق لباريس سان جيرمان، الذي قدم أداءً قويًا على الصعيدين التكتيكي والفني.

أبرز اللحظات:
الدقيقة 3: هدف باريس سان جيرمان الرائع بتوقيع عثمان ديمبيلي.
الدقيقة 85: تسديدة قوية من راموس ترتطم بالعارضة.
الدقيقة 77: تسديدة من نيفيس تمر فوق مرمى أرسنال.
الدقيقة 50: إلغاء هدف لأرسنال سجله ميرينو بداعي التسلل.
تحليل فني:
الأخطاء الفردية وعدم الانضباط التكتيكي في بعض اللحظات كلفت أرسنال غاليًا في هذه المباراة. الهدف المبكر كشف عن ثغرات في التغطية الدفاعية، خاصةً في منطقة خط الوسط. غياب توماس بارتي، بسبب الإيقاف، كان له تأثير واضح على قدرة أرسنال على قطع الكرات في منتصف الملعب والحد من خطورة هجمات باريس سان جيرمان.
في المقابل، أظهر باريس سان جيرمان تطورًا ملحوظًا على مستوى التنظيم التكتيكي واللعب الجماعي، واستغل ببراعة المساحات التي أتاحها دفاع أرسنال. الهدف الذي سجلوه يُدرس في فن بناء الهجمات المنظمة والتحركات الذكية للاعبين.
يواجه أرسنال الآن مهمة صعبة في مباراة الإياب على ملعب بارك دي برينس، حيث يحتاج إلى الفوز بهدف على الأقل من أجل التأهل إلى النهائي.
ولكن، يبقى الأمل قائمًا لجماهير المدفعجية، فهم يعلمون أن فريقهم قادر على تقديم أداء أفضل في مباراة العودة وتعديل النتيجة. أما باريس سان جيرمان، فيملك الآن أفضلية هدف ويستطيع الاعتماد على جماهيره وأرضه في مباراة الإياب لحسم التأهل إلى نهائي دوري أبطال أوروبا للمرة الثانية في تاريخه.