في قلب العاصفة الرئاسية: مراسيم تُشعل فتيل الانقسام وتُعمّق غموض المشهد الليبي

في سماء السياسة الليبية الملبدة بالغيوم، برزت فجأة ثلاثة مراسيم رئاسية صادرة عن رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، لتُلقي بظلال أثقل من الشك والغموض على مستقبل البلاد. في يوم واحد، طفا على السطح قرار بوقف العمل بقانون المحكمة الدستورية العليا، وآخر ينظم انتخابات مؤتمر المصالحة الوطنية، وثالث يتعلق بالمفوضية الوطنية للاستفتاء.

لكن بدل أن تكون هذه المراسيم بشائر لحلول منتظرة، تحولت إلى شرارة تُضرم فتيل انقسام داخلي، وتزيد من حالة الضبابية التي تخيم على المشهد.

ففي مشهد يثير علامات استفهام كبرى، خرج نائب رئيس المجلس الرئاسي، عبد الله اللافي، ليُعلن رفضه القاطع لهذه القرارات، مُدوّياً بكلمات حازمة: “أي إعلان منفرد لا يُمثّل المجلس الرئاسي مجتمعاً في هيئة الرئاسة هو والعدم سواء ولا يُرتب أثراً دستورياً أو قانونياً.” تصريحٌ يعكس عمق الخلاف ويثير الشكوك حول الكيفية التي اتُخذت بها هذه القرارات المصيرية.

اللافي، الذي لم يكشف حتى الآن عن الأسباب العميقة وراء اعتراضه، وضع النقاط على الحروف مؤكداً أن “إصدار المراسيم الرئاسية يتطلب قراراً جماعيًا للمجلس، ولا يمكن الانفراد به.” هنا يبرز التساؤل: لماذا هذا الصمت المطبق من رئيس المجلس وأعضائه عن الأهداف الحقيقية والمخاوف الكامنة وراء هذه المراسيم؟ ولماذا لم يتم التوضيح بشفافية للرأي العام الذي يتطلع إلى إجابات واضحة في ظل أزمات متلاحقة؟

أما العضو الثالث في هذا المشهد الدرامي، موسى الكوني، فيبدو وكأنه أسير حيرة مُطبقة، يتأرجح موقفه بين دعم المنفي أو الاصطفاف مع اللافي، أو حتى اختيار منطقة الحياد، ليُضيف بذلك طبقة أخرى من التعقيد إلى هذه الصورة القاتمة.

في المقابل، يمضي محمد المنفي قُدُمًا في قراراته التي يصفها بـ “المراسيم الرئاسية”، متجاوزاً، كما يرى منتقدوه، اختصاصاته المحدودة التي رسمها اتفاق جنيف، بل ويُقدم نفسه بصفة “رئيس الدولة” في خطوة يرفضها بشدة عبد الله اللافي، معتبراً إياها إجراءات باطلة قانونياً لصدورها بشكل أحادي.

هذا التشقق الصارخ في صفوف المجلس الرئاسي، الذي كان يُفترض به أن يكون رمزاً للوحدة والقيادة الجماعية، يُلقي بظلال سلبية قاتمة على المجتمع الليبي.

كيف يمكن للمواطن أن يثق بمؤسسة تتخذ قرارات مصيرية بهذه الطريقة المُريبة؟ هذا الانقسام يُنذر بتعميق حالة الفوضى السياسية، ويُضعف من فرص تحقيق أي حلول جذرية للأزمات المتراكمة في البلاد.

في هذا المشهد الضبابي، يبقى السؤال معلقاً: هل ستتمكن الأطراف المتنازعة من تجاوز هذه الخلافات والعودة إلى طاولة الحوار والتوافق، أم أن هذه المراسيم ستكون فصلاً جديداً في مسلسل الانقسام الذي يُعيق تقدم ليبيا نحو الاستقرار والسلام؟ وحدها الأيام القادمة كفيلة بكشف الستار عن نتائج هذا الصراع الرئاسي وتأثيره الحقيقي على مستقبل البلاد.

المزيد من الكاتب

اللافي يستمع إلى مطالب مهجّري الشرق الليبي ويؤكد أولوية ملف المصالحة

عقيلة صالح يرد بقوة على مرسوم الرئاسي: “تجاوز للسلطة واختصاص أصيل للمشرع”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *