يُظهر هذا الرسم التوضيحي الشكل المُحتمل لكوكب K2-18b الخارجي بناءً على البيانات العلمية. (الرسم التوضيحي: ناسا، وكالة الفضاء الأوروبية، وكالة الفضاء الكندية، جوزيف أولمستيد (معهد علوم تلسكوب الفضاء)
في لحظة قد تغير مسار فهمنا للكون إلى الأبد، أعلن علماء الفلك عن اكتشاف علامات مُذهلة تُشير بقوة إلى إمكانية وجود حياة فضائية على كوكب بعيد يُدعى K2-18b، يقع على بُعد 124 سنة ضوئية. فهل نفتح أعيننا قريبًا على مشهدٍ لم نعهده من قبل في أعماق الفضاء؟
“إنها لحظة ثورية!” هكذا صرخ أحد الباحثين في مؤتمر صحفي، مُعلنًا عن نتائج دراسة نُشرت في السابع عشر من أبريل، والتي قد تُقدم أقوى دليل حتى الآن على وجود حياة خارج كوكبنا الأزرق.
الكوكب العملاق K2-18b، الذي لا ينتمي إلى نظامنا الشمسي، يدور حول نجم يبعد عنا بمسافة شاسعة تُقدر بـ 124 سنة ضوئية، ليفتح بذلك آفاقًا جديدة في رحلتنا لاستكشاف أسرار الكون.
التقرير الذي نُشر في مجلة Astrophysical Journal Letters، توصل إلى احتمال وجود عالم مُغطى بالمحيطات على سطح K2-18b، وهو عالم قادر على استضافة “حياة ميكروبية” – اللبنة الأساسية للمحيط الحيوي على كوكب الأرض، والضرورية لازدهار جميع أشكال الحياة التي نعرفها.
وقد تمكن فريق البحث، الذي ضم علماء فلك بارزين من بريطانيا والولايات المتحدة، من اكتشاف مادتين كيميائيتين في الغلاف الجوي للكوكب باستخدام تلسكوب جيمس ويب الفضائي المتطور. هاتان المادتان، ثنائي ميثيل كبريتيد (DMS) وثنائي ميثيل ثاني كبريتيد (DMDS)، تُصنفان ضمن فئة “البصمات الحيوية”، وهما مؤشرات قوية قد تدل على وجود حياة خارج كوكب الأرض.
وفي تصريح ناري خلال المؤتمر الصحفي، قال نيكو مادوسودان، عالم الفلك بجامعة كامبريدج وأحد مؤلفي الدراسة: “إنها المرة الأولى التي تشهد فيها البشرية بصمات حيوية محتملة على كوكب صالح للسكن. هذه لحظة فاصلة في تاريخ استكشافنا للكون.”
K2-18b: عملاق مائي يسبح في كوكبة الأسد
تصنف وكالة ناسا كوكب K2-18b على أنه “كوكب خارجي”، أي كوكب يدور حول نجم آخر غير شمسنا.
هذا العالم البعيد يزيد حجمه عن حجم الأرض بحوالي 8.6 مرات، ويقع على بعد يقدر بـ 700 تريليون ميل في كوكبة الأسد. يدور الكوكب حول نجمه كل 33 يوماً أرضياً، مما يعني أنه أقرب إلى نجمه من قرب الأرض إلى الشمس.
وفي سبتمبر 2023، نشر فريق تلسكوب ويب التابع لناسا نظريات مُثيرة تُشير إلى أن K2-18b قد يكون كوكباً خارجياً من نوع “هيس” (Hycean)، وهو نوع يتميز باحتمالية وجود محيطات سائلة وخصائص جزيئية أخرى تجعله صالحًا للحياة.
وقد أوضح مادوسودان في تقرير سابق عام 2021 أن “الكواكب الهيسية تفتح آفاقاً جديدة تماماً في بحثنا عن الحياة في أماكن أخرى.”
الجدير بالذكر أن المادتين الكيميائيتين اللتين تم اكتشافهما مؤخراً بالقرب من K2-18b – DMS و DMDS – تُنتجهما على الأرض العوالق النباتية البحرية والبكتيريا.
هذا التشابه المذهل يزيد من احتمالية وجود عمليات بيولوجية مماثلة تحدث على هذا الكوكب البعيد.
خطوة جريئة نحو الإجابة على السؤال الأزلي
يُجري الباحثون دراساتهم على كوكب K2-18b منذ عام 2021، لكنه ليس الكوكب الخارجي الوحيد الذي يخضع للبحث والتمحيص.
فقد اكتشف العلماء حوالي 5800 كوكب خارجي منذ تسعينيات القرن الماضي، لكن هذا الاكتشاف الأخير يحمل في طياته إثارة خاصة.
صحيح أن هذا البحث لا يُشير بشكل قاطع إلى وجود كائنات فضائية عاقلة تعيش على كوكب K2-18b، وقد وصف مادوسودان الدراسة بأنها “أقوى دليل… على وجود حياة محتملة هناك”، إلا أن الباحثين حريصون على التأكيد بأنهم لا يجزمون بوجود كائنات فضائية.
بدلاً من ذلك، تشير النتائج الحالية إلى أن كوكب K2-18b يشهد عملية بيولوجية مشابهة لتلك التي خضع لها كوكب الأرض منذ مليارات السنين.
وللتأكد التام من صحة هذه النتائج الهامة، يحتاج الباحثون إلى تحقيق نتيجة “خمسة سيغما”. حالياً، يقدم هذا البحث نتيجة “ثلاثة سيغما”.
ومع ذلك، أكد مادهوسودان لبي بي سي بثقة: “أستطيع أن أقول بواقعية إنه يُمكننا تأكيد هذه الإشارة في غضون عام إلى عامين.”
وحتى لو تمكن فريق البحث من الوصول إلى نتيجة “خمسة سيغما”، فإن ذلك لن يمثل دليلًا قاطعًا على وجود حياة على كوكب K2-18b. لا يزال يتعين عليهم تحديد المصدر الدقيق لـ DMS و DMDS على هذا الكوكب البعيد.
لكن يبقى السؤال الذي يتردد صداه في أروقة العلم: هل هذه هي نقطة التحول؟
هل نحن على أعتاب اكتشاف سيغير نظرتنا إلى مكاننا في هذا الكون الشاسع؟
يناقش علماء الفلك إمكانية وجود حياة على كوكب K2-18b منذ عام 2023، وهذا البحث الجديد يمثل خطوة هائلة نحو الإجابة على السؤال الأزلي حول إمكانية وجود حياة خارج كوكب الأرض.
وكما قال مادوسودان: “قد تكون هذه نقطة التحول، حيث يصبح السؤال الجوهري حول ما إذا كنا وحدنا في الكون سؤالاً نستطيع الإجابة عليه.
” فهل نكتشف قريباً ما يخبئه لنا الفضاء الشاسع؟
الإجابات قد تكون على بُعد سنوات ضوئية قليلة.
