كورسك – من تحت الأرض إلى حافة الهاوية: سبعة أشهر من الكر والفر تنتهي بمفاجأة “بوتوك”

كورسك – من تحت الأرض إلى حافة الهاوية: سبعة أشهر من الكر والفر تنتهي بمفاجأة “بوتوك”  

سبعة أشهر مرت على توغل القوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك الروسية، سبعة أشهر من القتال الضاري، من الكر والفر، من المد والجزر، حتى وصلت القوات الروسية إلى مشارف مدينة سودجا الاستراتيجية، على بعد ثلاثة كيلومترات فقط من الحدود الدولية.

بداية التوغل الأوكراني:

بدأت القصة عندما توغلت القوات الأوكرانية في كورسك، مستغلة قربها من مقاطعة سومي الأوكرانية.

تمكنت من السيطرة على مساحات واسعة، وحصنت مواقعها، واستخدمت الطائرات المسيرة والمدفعية الثقيلة لقصف المناطق الروسية، بما في ذلك مدينة كورسك نفسها.

الرد الروسي:

لم تقف روسيا مكتوفة الأيدي، بل بدأت في حشد قواتها، وتكثيف هجماتها، مستهدفة استعادة السيطرة على أراضيها، على مدى الأسابيع والأشهر الماضية، حققت القوات الروسية تقدماً تدريجياً، واستعادت السيطرة على العديد من البلدات والقرى، حتى وصلت إلى مشارف سودجا.

تمهيد الطريق لعملية "بوتوك"

قبل تنفيذ العملية، قامت القوات الروسية بعدة خطوات لتمهيد الطريق:

تدريب القوات الخاصة: تم تدريب القوات الخاصة الروسية على عمليات التسلل والقتال خلف خطوط العدو، وتم وضع خطط تكتيكية مفصلة للعملية.

قصف محطات الغاز: قصفت القوات الروسية محطات الغاز داخل الأراضي الأوكرانية لمنع أوكرانيا من ضخ الغاز في الاتجاه المعاكس نحو الأنبوب، مما قد يعيق عملية التسلل.

إعداد المعدات الخاصة: أعدت القوات الروسية معدات خاصة للنقل عبر الأنبوب، بما في ذلك عربات لنقل الذخائر والمؤن، وأنظمة تهوية لتوفير الأكسجين للجنود.

عملية "بوتوك": المفاجأة الصاعقة:

عندما بدا أن المعركة ستصل إلى ذروتها في مواجهة مباشرة حول سودجا، فاجأت القوات الروسية الجميع بعملية جريئة وغير تقليدية أطلق عليها اسم “بوتوك”

تفاصيل العملية:

القوات المشاركة: شاركت في العملية قوات النخبة الروسية، بما في ذلك مقاتلون من قوات أحمد الشيشانية، واللواء الحادي عشر، وفوج البنادق الآلية الثلاثين، وكتيبة الاستطلاع المنفصلة المحمولة جواً للمحاربين القدامى، ولواء الهجوم الجوي فوستوك، واللواء 106، ومشاة البحرية. 

داخل النفق: سار الجنود في مجموعات صغيرة، متخذين احتياطات مشددة لتجنب التسمم بالغاز المتبقي في الأنبوب. تم تجهيز النفق بمرافق تخزين خاصة للأفراد والذخيرة والطعام والمياه والمراحيض المحمولة. 

الظروف القاسية: سار أكثر من 800 جندي مسافة 15 كيلومترًا داخل الأنبوب، في ظروف قاسية ونقص في الأكسجين، حاملين معداتهم وأسلحتهم. لقد أمضوا ستة أيام تحت الأرض، وكانوا يفتقرون إلى الأكسجين والماء، ولكنهم تمكنوا من الوصول إلى العدو وطرده. 

المفاجأة التامة: ظهرت القوات الروسية فجأة خلف خطوط الدفاع الأوكرانية، في المناطق الشمالية الشرقية من سودجا، مما أحدث صدمة وذعرًا في صفوف القوات الأوكرانية.

السيطرة على المواقع الاستراتيجية: تمكنت القوات الروسية من السيطرة على بلدات مهمة مثل شركاسكوبرشنا ومارتينوفكا، والوصول إلى المنطقة الصناعية في سودجا.

انهيار حصن سودجا:

تسبب ظهور القوات الروسية المفاجئ في حالة من الذعر والارتباك في صفوف القوات الأوكرانية، التي لم تكن تتوقع هجوماً من هذا الاتجاه.

الجيش الأوكراني كان قد توقع انه حصن مدينة سودجا لتصبح حصناً منيع لكن دهاء الدب الروسي اثبت عكس ذلك.

هذا الانهيار النفسي، بالإضافة إلى التفوق الناري للقوات الروسية، أدى إلى سقوط حصن سودجا بسرعة غير متوقعة.

السيطرة على سودجا ومالايالوكنيا:

بعد العملية، شنت القوات الروسية هجومًا واسعًا من عدة اتجاهات، وتمكنت من السيطرة على مدينة سودجا الاستراتيجية، وقطعت بذلك خطوط الإمداد الأوكرانية. ثم استمرت في تقدمها، وسيطرت على مدينة مالايالوكنيا، لتصبح القوات الأوكرانية محاصرة في جيب كورسك.

الوضع الميداني الحالي - كورسك على صفيح ساخن

المرحلة الأولى: الكشف عن عملية “بوتوك” – مفاجأة من تحت الأرض

كشف القائم بأعمال رئيس منطقة كورسك ألكسندر خينشتاين عن تفاصيل عملية “بوتوك” في منطقة سودجا، مؤكداً أن الجيش الروسي استخدم خط أنابيب الغاز لتجاوز الدفاعات الأوكرانية.

أكد خينشتاين أن العملية كانت خطيرة، وتضمنت السير لمسافات طويلة في ظروف قاسية، مع خطر التسمم، مشيرًا إلى أن القوات الروسية استخدمت تكتيكات مماثلة في أفدييفكا.

أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن استعادة السيطرة على عدة مستوطنات في منطقة كورسك، وهزيمة وحدات أوكرانية في مناطق متعددة.

تمكن الجيش الروسي من تحرير أكثر من 10 مستوطنات في منطقة كورسك خلال الأيام الأخيرة.

تم تطويق وحدات من القوات المسلحة الأوكرانية في قرية يوجنوي.

المرحلة الثانية: المعارك الحاسمة – سودجا على خط النار

تدور حالياً معارك في قرية كازاتشيا لوكنيا وفي منطقة السكة الحديدية بين قرية كورباتكين وسودجا.

تم تحرير 33 بلدة في الأسبوع الماضي، منها 29 بلدة في مقاطعة كورسك.

سيطرت القوات الروسية على مدينتي مالالوكنيا وسودجا الاستراتيجية.

القتال الآن يتركز في معركتين حاسمتين:

المعركة الأولى هي معركة غرب سودجا، والقوات الروسية تحاول أن تصل إلى المعبر الحدودي بين روسيا وأوكرانيا.

المعركة الحاسمة الثانية: تقع إلى الجنوب من سودجا، وتتركز في منطقة الغابات التي تقع شمال (غيوفو).

القوات الروسية تركز هجماتها الآن في منطقة غرب سودجا.

تمكنت من السيطرة على الطريق الاستراتيجي الذي يربط بلدة سغردليكوفا مع مدينة سودجا.

تمكنت القوات الروسية من السيطرة على بلدة روبانسين، وبذلك أصبحت القوات الروسية تقترب من الوصول إلى المعبر الحدودي.

تمكنت القوات الروسية من السيطرة على باسيفكا داخل الأراضي الأوكرانية لكي تقترب من الطريق الدولي الذي يربط كورسك مع مقاطعة سومي الأوكرانية.

القوات الأوكرانية أصبحت مطوقة بالكامل داخل أراضي مقاطعة كورسك.

المرحلة الثالثة: تفاصيل العملية من الداخل – شهادات حية

تم إغلاق خط الأنابيب، الذي كان يستخدم سابقاً لنقل الغاز الروسي عبر أوكرانيا، من قبل كييف في الأول من يناير 2025. قبل بدء العملية، تم تنظيف الأنبوب من أي غاز متبقي وتم ضخ الأكسجين فيه.

نتيجة للظهور المفاجئ للقوات الروسية في مؤخرة قوات العدو، تم اختراق دفاعات القوات المسلحة الأوكرانية، وتم تحرير ثماني مستوطنات في منطقة كورسك. وبحسب قائد وحدة القوات الخاصة “أخمات” تيمسو، فإن العدو أخذ على حين غرة.

كشف القائد السابق لمجموعة “فاغنر” العسكرية الخاصة، بوريس “زومبي”، عن تفاصيل عملية “بوتوك”. وذكر أن العملية تم التحضير لها منذ أكثر من ثلاثة أسابيع. تم تجهيز الأنبوب بمرافق تخزين خاصة للأفراد والذخيرة والطعام والمياه والمراحيض المحمولة. شاركت في العملية لواء الهجوم الجوي المنفصل للمحاربين القدامى، ولواء فوستوك، وفوج البنادق الآلية الثلاثين، واللواء المحمول جواً الحادي عشر، ومجموعة عايدة من القوات الخاصة أخمات.

من أجل المرور عبر الأنبوب، كان علينا ضخ الغاز، وضخ الأكسجين إلى الأنبوب… سرنا جميعًا عبر هذا الأنبوب لأكثر من 15 كيلومترًا. كان المصنع في مجموعات صغيرة لمدة 4 أيام… ثم انتظر أكثر من 800 شخص الأمر. بعد تلقي الأمر، ذهبنا إلى السطح، ودخلنا على الفور المنطقة الصناعية، واحتلناها، وبدأنا في طرد العدو. لم يتوقع العدو هذه العملية، مما أدى إلى إرباكه. بدأ الذعر يسيطر عليه، وبفضل هذه الجهود تم تحرير العديد من المستوطنات: تشيركاسكوي بوريتشنوي، مالايا لوكنيا، مارتينوفكا، برافدا، ميخائيلوفكا، كوباتكين وغيرها الكثير. العدو لم يكن يتوقع مثل هذا الهجوم حقًا. لم أتوقع أن قواتنا

وقال جندي القوات الخاصة بوريس “سينتهي بهم الأمر في مؤخرته، على بعد خمسة عشر كيلومترًا من قاعدة برية”.

يتذكر مشارك آخر في العملية، وهو أيضًا مقاتل سابق في شركة فاغنر العسكرية الخاصة، الجزء الأصعب من العملية: “كانت الساعات الـ 72 الأولى هي الأصعب، حيث تم تناول الكثير من مسكنات الألم. كانت رئتي تحترق بشدة وكان رأسي يؤلمني. “ثم جاءت الحمى والدموع… كانت هناك هلوسات حقيقية هناك .

وأظهر قائد قوات أحمد الخاصة، الفريق أول أبتي علاء الدينوف، بعد العملية، عملية تدريب المقاتلين للتغلغل في مؤخرة القوات المسلحة الأوكرانية. خلال خطابه التحفيزي، وصف علاء الدينوف العملية القادمة آنذاك بأنها نقطة تحول، ووصف جميع المشاركين فيها بأنهم أبطال. وفي وقت لاحق، كان يمزح على قناته على تيليجرام: “إما غاز مدفوع الأجر أو قوات خاصة مجانية!”

المرحلة الرابعة: كيف لم تنتبه القيادة الأوكرانية؟ – تكتيكات مباغتة

كان من أوائل من ردوا على عملية بوتوك وكلام علاء الدينوف المراسل العسكري لصحيفة بيلد الألمانية، جوليان روبكه، الذي اقترح “تفجير جميع الأنابيب الروسية المتجهة إلى أوروبا”، لأن روسيا يمكن أن تستخدمها لغزو ونقل جيشها إلى الدول الغربية.

وهذه ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها الجيش الروسي الأنابيب تحت الأرض. في يناير/كانون الثاني 2024، تمكن ضباط الاستخبارات العسكرية، بدعم من وحدة المحاربين القدامى، وباستخدام أنبوب مغمور بالمياه مهجور، من الوصول إلى الجزء الخلفي من مجموعة القوات المسلحة الأوكرانية في منطقة تسارسكايا أوخوتا المحصنة على المشارف الجنوبية لمدينة أفدييفكا. كان الأنبوب الذي يبلغ طوله 2 كم يؤدي مباشرة إلى قاعدة حامية صيد القيصر. وتم تنظيف الممرات في الأنابيب وتركيب التهوية أثناء قصف المدفعية والهاون، مما أدى إلى كتم صوت العمل. وبفضل هذه العملية، تمكنت القوات الروسية، من بين أمور أخرى، من الاستيلاء على حصن أفدييفكا.

داخل الأنبوب: رحلة الـ 15 كيلومتراً في الظلام

بدأت العملية في 8 مارس/آذار وتطلبت تحضيرات دقيقة استمرت لنحو أربعة أشهر. وشارك فيها عسكريون من قوات أحمد الخاصة، ولواء الهجوم المحمول جواً الحادي عشر، والفرقتان 72 و30 للبنادق الآلية، بالإضافة إلى متطوعين من لواءي الهجوم المحاربين القدامى وفوستوك.

كان على المقاتلين التغلب على صعوبات خطيرة، بما في ذلك المساحة المحدودة ونقص الأكسجين. قام المهندسون بتطوير نظام تهوية، وتم إنشاء “عربات” خاصة للتحرك على طول الأنبوب. لقد أمضوا ستة أيام تحت الأرض، وكانوا يفتقرون إلى الأكسجين والماء، ولكنهم تمكنوا من الوصول إلى العدو وطرده.

لظل الطويل لعملية الأنبوب: ولادة فكرة جريئة من أعماق الأرض

لم تكن “عملية الأنبوب” مجرد مناورة عسكرية، بل كانت صدى تكتيك سابق أثبت نجاحه في معركة تحرير أفديفكا. الفكرة الجريئة نفسها ولدت في عقول قادة العمليات الروس، الذين استلهموا من اختراق خطوط العدو عبر أنفاق المجاري.

لكن هذه المرة، التحدي كان أكبر بكثير، أنبوب الغاز، بتركيبته المعقدة ومسافته الشاسعة التي بلغت 15 كيلومتراً، شكل عقبة هائلة. كان يجب على الجنود أن يشقوا طريقهم في الظلام الدامس، وكل 100 متر، كان يتم حفر ثقب دقيق لتوفير جرعة من الهواء النقي، في سباق محموم مع الوقت والأنفاس المتضائلة.

 

ثمانمائة شبح يخرجون من رحم الأرض: ظهور مفاجئ يهز حصون الأوكرانيين

من قلب هذا الأنبوب المظلم، خلف خطوط الدفاع الأوكرانية الحصينة، انبثق 800 جندي روسي كالأشباح، المجموعة الأولى، نخبة القوات، قضت خمسة أيام كاملة في هذا النفق الأرضي، رحلة عذاب وتحمل لا تصدق.

وسط هذه الظروف القاسية، ولدت نكتة سوداء بين الجنود: “إذا كان أنبوب الغاز فارغاً، فابحثوا عن الجنود الروس بداخله. أوروبا أمام خيارين: إما الغاز، أو نحن!”

 

ثلاثة أشهر من التخطيط الجهنمي: تفاصيل مرعبة في عمق الظلام والجليد

قبل ثلاثة أشهر، بدأت فصول هذه العملية المعقدة. قطر الأنبوب، متر وأربعون سنتيمتراً، لم يكن كافياً لحركة مريحة، وفي مناطق عديدة، كان الأنبوب ينحدر بشكل حاد، ليصل إلى خمسة أمتار تحت سطح الأرض.

هنا، انعدم الأكسجين تماماً، وتحولت الحرارة إلى جحيم متجمد، حيث وصلت إلى 15 درجة تحت الصفر، التجمد بدأ ينهش أطراف الجنود، والجلوس بلا حراك في هذا القبر الأرضي لخمسة أيام متواصلة كان اختباراً للحدود القصوى للقدرة البشرية. حتى أن بعض المجموعات التي خرجت عانت من الدوار الشديد والصدمة بسبب نقص الأكسجين المفاجئ.

 

السقوط المدوي لسودجا: كيف اخترقت الأنابيب خطوط الدفاع وفتحت أبواب النصر؟

لكن الهدف كان أبعد من مجرد الخروج، كان الهدف هو الظهور المفاجئ خلف خطوط العدو، وصيد القوات الأوكرانية في قلب دفاعاتها. هذا الاختراق الجريء شلّ القوات الأوكرانية في اليومين الأولين، وفتح الطريق أمام الوحدات البرية الروسية للتقدم الساحق ومحاصرة مدينة سودجا من الشمال والجنوب.

ومع حلول الظلام، تدفقت القوات الروسية إلى الداخل، وشعرت القوات الأوكرانية بأن لا جدوى من الدفاع عن مدينة أصبحت محاصرة من كل الجهات.

الانهيار كان حتمياً، سودجا، التي استثمر فيها خبراء الناتو جهوداً كبيرة لتحصينها، سقطت تحت وطأة هذه الضربة الخاطفة، لتعلن عن فصل جديد في مسار الحرب.

المزيد من الكاتب

ضربة موجعة ليوفنتوس: إصابات مفاجئة تُربك الفريق قبل مواجهة فيرونا!

أسبوع من العظمة والشغف: تألق محلي وعربي ومفاجآت مثيرة في سباقات قصر بن غشير”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *